مع اقتراب رمضان نجدد ليس فقط النية والأعمال الصالحة، بل نجدد روحنا ونحسن نفسيتنا ونبحث باستمرار عن معنى السلام النفسي داخلنا وفي عبادتنا، اليوم سنتحدث معكِ ملكتي عن مدى تأثير نفسيتكِ على نفسية جنينكِ وكيف يمكن أن تستفادي بإقتراب رمضان وتَصِلي للسكينة والإيجابية داخلك من أجل طفلك.

عادة ما يُنظر إلى الحمل على أنه وقت المشاعر وخاصة الإيجابية منها للأمهات الحوامل، ومع ذلك قد تعاني بعض الأمهات من تعب أو مرض نفسي خلال هذا الوقت سواء كُنَ مصابات به من قبل أم لا، فقد تعاني حوالي 20٪ من الحوامل من القلق أو الاكتئاب أثناء الحمل.

كيف تؤثر الصحة العقلية لكِ على نمو الطفل؟

حتى وقت قريب كان التركيز الأساسي على الصحة العقلية للأم وطفلها في الوقت الذي يلي الحمل مباشرة وليس خلاله، حيث يمكن أن يؤدي اكتئاب أو قلق أحد الوالدين إلى سلوكيات خاطئة مما يتسبب في مشاكل صحية ونفسية مستقبلية للطفل، ومع ذلك تظهر الأبحاث الحديثة أن الصحة العقلية للأم يمكن أن تؤثر على طفلها أثناء الحمل.

مع نمو الجنين يتلقى باستمرار رسائل من والدته، ولا يقتصر الأمر على سماع دقات قلبها بل إنه يحصل على إشارات كيميائية حول حالتها النفسية عبر المشيمة، حيث وجدت دراسة جديدة أن الأمر يتضمن إشارات حول الحالة العقلية للأم فإذا كانت الأم مكتئبة فإن ذلك يؤثر على كيفية نمو الطفل بعد ولادته.

في العقود الأخيرة وجد الباحثون أن البيئة التي ينمو فيها الجنين - رحم الأم - مهمة جدًا، فعلى سبيل المثال وجدت الدراسات أن الأشخاص الذين ولدوا خلال المجاعة الهولندية عام 1944 ومعظمهم من أمهات يتضورون جوعا كانوا على الأرجح يعانون من مشاكل صحية مثل السمنة ومرض السكري في وقت لاحق.

يدرس كلا من "كيرت أ. ساندمان" و"إليسيا ب. ديفيس" و"لورا إم جلين" من جامعة كاليفورنيا كيف تؤثر الحالة النفسية للأم على الجنين النامي أثناء الحمل، وفي هذه الدراسة قاموا بمتابعة النساء الحوامل وفحصهن لمعرفة هل يعانون من الاكتئاب قبل وبعد الولادة أم لا، كما أجروا اختبارات على أطفالهم بعد ولادتهم لمعرفة مدى تطورهم.

ووجدوا شيئًا مثيرًا للاهتمام للغاية! حيث اكتشفوا أن ما يؤثر على الأطفال هو ما إذا كانت البيئة متشابهة قبل الولادة وبعدها، أي أن الأطفال الأفضل أداء هم أولئك الذين كانت أمهاتهم يتمتعون بصحة جيدة قبل الولادة وبعدها وأيضًا أولئك الذين كانت أمهاتهم مكتئبات قبل الولادة وظلوا هكذا بعد ذلك فالمهم هنا هو الاتساق والثبات على الحالة النفسية، ولكن ما أدى إلى التأثير السئ على الأطفال وإبطاء نموهم كانت الظروف المتغيرة للأم التي تحولت من حالة اكتئاب قبل الولادة أي أثناء الحمل إلى حالة صحية بعد الولادة أو كانت في حالة صحية ونفسية جيدة قبل الولادة أي أثناء الحمل ثم تحولت إلى الاكتئاب بعد ذلك.

الآن التفسير لهذا الأمر وعلاجه هو فحص الأمهات قبل الحمل ومحاولة تحسين نفسيتهم قبلها وأثناء الحمل حتى ينمو الجنين داخلها وهو يشعر بالطمأنينة والثبات والاستقرار بشكل ما، فلا يعاني من الكثير من التغييرات التي تعاني منها الأم سواء قلق أو خوف أو اكتئاب، ولكن المشكلة هي أنه نادراً ما يتم فحص النساء قبل الولادة.

اكتئاب الأم على المدى الطويل يمكن أن يؤدي إلى مشاكل عصبية واضطرابات نفسية، ففي دراسة أخرى وجد الفريق أن الأطفال الأكبر سنًا الذين كانت أمهاتهم قلقات أثناء الحمل لديهم اختلافات في هياكل دماغية معينة، ولكن سيستغرق الأمر دراسات تدوم عقودًا لمعرفة بالضبط ما يعنيه وجود أم مكتئبة لجنين في رحمها.

يقول "ساندمان" نعتقد أن الجنين يشارك في مسألة نموه ويقوم بجمع المعلومات عن الحياة بعد الولادة من خلال أمه، حيث أن الأجنة تستعد للحياة بناءً على الرسائل التي تقدمها الأم لهم.

لذلك عليك سيدتي أن تقدمي الحياة لطفلك بشكل جميل وبنفسية هادئة حتى يستطيع التواصل بشكل أفضل فور ولادته وأثناء نموه، ويجب مراعاة حالتك النفسية أثناء الحمل ومدى تأثيرها على جنينك فهو أمانة وضعها الله في رحمك لذلك ابتعدي عن القلق والاضطراب والاكتئاب، وإذا شعرتي بأي منهم فالجأي لمن تحبيهم سواء زوجك أو عائلتك أو أصدقائك وإذا زادت حالتك النفسية سوءا - لا قدر الله - فيجب اللجوء للطبيب على الفور.

ونصيحتنا اليوم هي أن تستفادي باقتراب شهر الخير وتتقربي لله بالعبادات والتسليم والتأمل حتى تشعري بالسكينة والسعادة فيشعر بها جنينك.