سوف نحكي لكِ اليوم ملكتي قصةَ امرأة فريدة من نوعها، امرأة مباركة من شجرةٍ مباركة نبتت نباتًا صالحًا طيبًا، فهي زوجة نبيٍّ الله زكريا عليه السلام، وأمُّ نبي الله يحيى عليه السلام، وخالة نبي الله عيسى عليه السلام وأخت السيدة مريم العذراء، إنها السيدة "إيشاع بنت فاقوذا".

شاء الله أن تكون عاقرًا كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا﴾ سورة مريم آية 5.

وذات يوم دخل النبي زكريا عليه السلام المحراب على مريم العذراء في المحراب حيث كانت تتعبد، فوجد عندها رزقًا كثيرًا لم يأتها هو به، ولا وجود له عند الناس في ذلك الوقت من فاكهة وثمرات في غير موسم حصادها، وهذا من إكرام الله لها، فقد كانت الملائكة تأتي إليها وتخبرها بأن الله اصطفاها، فسألها زكريا كما جاء في الآية الكريمة: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ سورة آل عمران آية 37.

في ذلك الوقت استيقظ بداخله الأمل في أن يرزقه الله الذرية رغم أنه قد بلغ من الكبر عتيًا وصار شيخًا عجوزًا وقد ضعُف عظمه وكسى رأسه الشعر الأبيض وأحسّ أنه لن يعيش طويلًا، لكنه مع كل ذلك تمنى أن يكون له ولد يرثُ علمه وفقهه وأن يرشد قومه ويدعوهم إلى الله، قال تعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ﴾ سورة آل عمران آية 38.

وقد كان! بالرغم من أنها لا تنجب وأن زوجها شيخًا كبيرًا لكن مشيئة الله تتخطى أي شيء نعتقده نحن البشر منطقيًا! 

﴿يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا (8) قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـٔٗا (9)﴾ سورة مريم

الدعاء من أجل الإنجاب

إن الحمل والإنجاب هو أمر ضروري لكل عائلة تتوق إلى أن تنعم بطفل صالح، وبالنسبة لمعظم الأزواج فإن إنجاب الأطفال هو الحلم الأكثر رغبةً، لكن تحتاج هذه الأحلام أحيانًا إلى الصبر على الابتلاء لتحقيقها، والصبر يتعرض الأزواج للكثير من الضغط من البيئة المحيطة لهم بدءًا من الأسئلة التي قد تكون مؤذية إلى الآراء والتعليقات السخيفة. 

وقد تعددت أسباب العقم بشكل متزايد في يومنا هذا مما يجعل بعض الأزواج يشعرون أحيانًا بالحزن والوحدة وفقدان الأمل، لكن في ديننا الحنيف يعتبر إنجاب الأطفال أمر ضروري لأنهم هبة من الله تكمل الأسرة وتزيد من أمة محمد -صلّ الله عليه وسلم-.

فقد قال رسول الله -صلّ الله عليه وسلم-: "النِّكَاحُ من سُنَّتِي فمَنْ لمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَليسَ مِنِّي ، و تَزَوَّجُوا ؛ فإني مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ ، و مَنْ كان ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ ، و مَنْ لمْ يَجِدْ فَعليهِ بِالصِّيامِ، فإنَّ الصَّوْمَ لهُ وِجَاءٌ"⁽¹⁾

بسبب الضغط من البيئة المحيطة على الزوجين تنشأ الأعباء الاجتماعية لأن ضغط الأسرة والأقارب والأصدقاء يجعلهم يشعرون بأنهم محاصرون في ظروف صعبة، وهنا يمكن أن يؤثر التوتر المستمر على الصحة الإنجابية للزوجين إذا استمرت مشكلة تأخر الحمل.

ما الحل؟

يمكن للأزواج الذين ليس لديهم أطفال أن يوثقوا رابطة الزواج بينهما من خلال الصلاة والعبادة والدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى خاصةً في تلك الأيام المباركة، فالصلاة والدعاء في الإسلام خير سلاح في مواجهة الصعوبات! وقد وعدنا الله سبحانه وتعالى بالإستجابة إذ اقل في كتابه الكريم: ﴿ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾ سورة البقرة: آية 186.

وقد قال الفاروق عمر -رضي الله عنه-: "أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء"

ولهذا يُعلِّمنا الإسلام عدة أدعية لطلب الذرية الصالحة من الله -عز وجل- يمكن للأزواج الإستعانة بها أثناء طلب الذرية من الله تعالى، مثل تلك التي ذكرناها سابقًا في قصة نبي الله زكريا عليه السلام وقبلها في قصة السيدة سارة زوجة خليل الله.

1ـ دعاء سيدنا إبراهيم "رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ"، فوهبه الله سيدنا إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب.

2ـ دعاء سيدنا ذكريا "رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً" .. "رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"، فرزقه الله سيدنا يحيي.

نحتاج أيضًا إلى الاستسلام لمشيئة الله سبحانه وتعالى وتقبل جميع أقداره، وأن نبذل الجهد في محاولة الحمل عن طريق الأخذ بالأسباب الدنيوية، وأحد الجهود هو استشارة الأطباء، حيث يمكن للأطباء مساعدة الأزواج في العثور على سبب العقم وتقديم أفضل حل ممكن، ويمكن أن تساعد العديد من الطرق الأزواج في التغلب على العقم بدءًا من تغيير نمط الحياة، ويمكنهم أيضًا طلب الدعم من العائلة والأصدقاء، حيث يمكن أن يساعد طلب الدعم من الأحباء في تقليل التوتر وتحفيز الأزواج على مواصلة البحث والمحاولة دون قلق.

(1) الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 2383 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (1846) واللفظ له، والديلمي في ((الفردوس)) (6920) مختصرًا.