عاده ما تكون بعض التغييرات التي تحدث لجسم المرأة أثناء الحمل أكثر وضوحًا من غيرها، فعلى سبيل المثال نعلم جميعًا أن النساء عاده ما يصبن بنتوء مرئي -متمثلًا في كبر حجم بطنهن- وقد يصبن بغثيان الصباح في البداية وتورم الكاحلين لاحقًا ولكن يمكن للحمل أيضًا تغيير بعض العمليات الجسدية والوظائف الرئيسية التي لا نعرف عنها شيئًا !

ما هو التمثيل الغذائي ؟!

تحدث أحد هذه التغييرات الأقل وضوحًا في التمثيل الغذائي للمرأة، وهو ما يعني الطريقة التي يستخدم بها الجسم السكريات الغذائية والدهون والبروتينات لتوفير الطاقة ولبنات البناء اللازمة لضمان حسن سير الخلايا والأنسجة والأعضاء.

فمع تقدم الحمل عاده ما تصاب النساء بمقاومة الأنسولين ويصبح الأمر شبيه بكونهن مصابات بمرض السكري، ويحدث هذا لضمان وصول الكثير من الجلوكوز إلى الطفل والمشيمة حتى تنمو وتتطور بشكل مناسب، ولضمان تلبية احتياجاتها من الطاقة أيضًا حيث تخزن المرأة الحامل الدهون في وقت مبكر ثم تحرقها كمصدر للطاقة لاحقًا، لذلك فـ عاده عندما تكون المرأة الحامل في أخر مراحلها - خلال الأسابيع الـ 13 الأخيرة من الحمل - ربما تحرق الدهون بشكل لم يسبق له مثيل.

تغييرات جهاز المناعة

يتغير جهاز المناعة أثناء الحمل أيضًا حيث تساهم هذه التغييرات في نجاح الحمل، ويُعتقد عمومًا أنها ناجمة عن التغيرات الهرمونية العديدة التي تحدث عاده أثناء الحمل.

إذا اعتبرنا أن الطفل نصفه من الأم ونصفه من الأب، فيجب تنظيم الجهاز المناعي للأم بإحكام حتى لا يرفض الطفل كما لو كان عضوًا مزروعًا، يتم تحقيق ذلك عن طريق تغيير أعداد وأماكن أو أنشطة بعض المجموعات الفرعية المتعددة من الخلايا المناعية للأم، على سبيل المثال تصبح الخلايا الوحيدة (نوع من خلايا الدم البيضاء) أكثر نشاطًا بينما يزداد عدد العَدِلات (نوع آخر من خلايا الدم البيضاء)، هنا يلعب عاده كلا النوعين من الخلايا دورًا في الدفاع عن الجسم ضد البكتيريا والفطريات والفيروسات.

تحدث التغييرات أيضًا في الخلايا التائية بالجسم - وهي نوع من الخلايا الليمفاوية (وهي أيضًا خلايا الدم البيضاء) التي لها دور مهم في ما يُعرف بالذاكرة المناعية، هذا هو المكان الذي "يتذكر" فيه الجهاز المناعي أنه واجه خطرًا معينًا من قبل ويمكّن الجهاز المناعي من القيام باستجابة أسرع عند التعرض الثاني أو اللاحق.

تقوم الخلايا التائية بذلك عن طريق إفراز الكثير من الأنواع المختلفة من البروتينات والوسيطات الأخرى (المواد الكيميائية التي يتم إفرازها لجعل الخلايا الأخرى تستجيب بطريقة معينة)، وتدعم الأنماط المختلفة لهؤلاء الوسطاء أنواعًا مختلفة من الاستجابات المناعية، بعضها مفيد لمحاربة الفيروسات والبعض الآخر مفيد لمحاربة البكتيريا، ويعد تعطيل هذه الأنماط من الوسطاء مرتبط بالسرطان وأمراض المناعة الذاتية.

تطعيم الإنفلونزا والحوامل 

في حين أن هذه التغييرات في جهاز المناعة تحمي الأطفال، فإنها عاده ما تجعل النساء الحوامل أكثر عرضة للاستجابات الشديدة للفيروسات مثل الإنفلونزا، وهذا بسبب التغيرات في استجابتها المناعية، نحن لا نفهم حقًا ما هي التغييرات حتى الآن ولكن هذا هو السبب في أن التطعيم ضد الإنفلونزا موصى به للنساء الحوامل.

تأثير الحمل على أمراض المناعة الذاتية

والمثير للدهشة ما يمكن أن تحدثه هذه التغييرات للنساء المصابات بأمراض المناعة الذاتية حيث يمكن أن يعانين من تغيرات في أعراض المرض أثناء الحمل، على سبيل المثال غالبًا ما تشعر النساء المصابات بالتصلب المتعدد والتهاب المفاصل الروماتويدي بالتحسن، في حين أن النساء المصابات بالذئبة الحمامية الجهازية غالبًا ما يعانين من تفاقم أعراضهن، ثم بعد وقت قصير من ولادة الطفل تعود أنماط أعراض أمراض المناعة الذاتية إلى ما كانت عليه قبل الحمل.

بذكاء يتم أيضًا تسخير بعض هذه التغييرات في الجهاز المناعي في الرحم لتحسين نمو وتطور الطفل والمشيمة حيث تتراكم بعض مجموعات الخلايا المناعية الفرعية - مثل الخلايا التائية المذكورة أعلاه والخلايا المعروفة باسم الخلايا القاتلة الطبيعية (NK) - في الرحم ، وتوفر عناصر هامة مثل البروتينات والهرمونات حيث تعمل هذه على المشيمة عبر مستقبلات محددة لدعم مرور العناصر الغذائية إلى الطفل وخروج النفايات منه، وبالطبع يساعد الحفاظ على عمل المشيمة بشكل صحيح على ضمان نمو الطفل بثبات وسعادة خلال فترة الحمل.