على الزوجة أن تقف بجانب زوجها وتقدم له النصيحة، حيث يجب أن يعمل الزوجين معًا لتعمير الأرض وإدارة شؤون الحياة فيها لازدهار الأسرة والمجتمع. 

لا يستطيع الرجل الاستغناء عن المرأة، ولا تستطيع المرأة الإستغناء عن الرجل. 

ومن هنا فإنه يجب أن يتعلم الرجال والنساء التعاون في كل الأمور لازدهار الحياة الزوجية، فقد حث الإسلام الرجل على مساعدة زوجته بقدر استطاعته؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لجميع المسلمين؛ يعين أهله ويخدمهم حتى يخرج للصلاة.

فيجب أن يساعد الرجل زوجته في مهامها مثل: الأعمال المنزلية وإدارة شؤون المنزل، وكذلك تساعده المرأة في مهامه مثل: التعامل مع العالم الخارجي وأن تلعب دورها في الحياة من خلال إبداء آرائها ونصائحها ودعمه في ذلك.

يخبرنا التاريخ عن ازدهار النساء، حيث انخرطن في الجهاد جنباً إلى جنب مع الرجال، وساروا إلى الحرب معهم، وجلبن الماء للعطشى، وقمن برعاية الجرحى، وساعدن في وقف تدفق الدم، وتشجيع الجنود، وفي بعض الأحيان الانضمام إلى القتال الفعلي، والجري ذهابًا وإيابًا بين السيوف والرماح، والوقوف بثبات عندما فر بعض أكثر الرجال شجاعة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على سلوكهن الشجاع في المعركة.

ومع ذلك فإن مساهمة المرأة في الحياة العامة لم تتوقف في ساحة المعركة؛ فقد وقفت النساء أيضًا جنبًا إلى جنب مع الرجال في أوقات السلم والازدهار، حيث عرضن آرائهن القيمة، وهدأن قلوب ازواجهن في أوقات التوتر ودعمهنم في أوقات الشدة.

وقد سجل التاريخ أسماء كثيرة لرجال عظماء كانوا يلتمسون مشورة زوجاتهم ويتبعونها.

وفي مقدمتهم النبي نفسه صلى الله عليه وسلم، الذي كان يتبع أحيانًا نصيحة خديجة، وأم سلمة، وعائشة وغيرهن من نسائه.

وكان عبد الله بن الزبير يتبع نصيحة والدته أسماء.

وكان الوليد بن عبد الملك يتبع نصيحة زوجته أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهارون. 

واعتاد الرشيد على اتباع نصيحة زوجته زبيدة، وهناك أمثلة أخرى كثيرة في التاريخ.

تتفهم المرأة الصادقة والمخلصة العبء الثقيل الذي تحمله على كتفيها، بإلزامها أن تكون زوجة صالحة لزوجها، وتحيط به بعناية، وتلبية كل احتياجاته، حتى يتمكن من تحقيق مهمته في الحياة. 

لذلك فهي لا تمتنع عن نصيحته عندما ترى أنه بحاجة إليها، ولا تتردد أبدًا في الوقوف بجانبه، وتشجيعه، ودعمه، وتقديم النصح والعزاء.

المرأة المسلمة الأولى خديجة بنت خويلد هي خير مثال لامرأة أثرت في زوجها. 

جاءها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الوحي الأول قلق ويرتجف، وقال لها: "غطّني ، غطّني!" 
سارعت إلى تقديم المساعدة والدعم له، وتقديم المشورة له والتفكير في طريقة عملية لمساعدته. 

وقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما قصة نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم «فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: قُلْتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: أَقْرَأْ، فَقُلْتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} 

[العلق: 1-5])

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي [ أي: غطوني]»

فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي» وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي».

فما كان من زوجته خديجة -رضي الله عنها- وهي السيدة العاقلة الرصينة، إلا أن هدأته وطمأنته على نفسه، قائلة: «كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ [أي: تنفق على الضعيف واليتيم]وذي الحاجة وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ [أي: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد] ومكارم الأخلاق-، وَتَقْرِي الضَّيْفَ [أي: تهيىء له القرى وهو ما يقدم للضيف من طعام وشراب]، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ [ النوائب: جمع نائبة، وهي ما ينزل بالإنسان من المهمات، وأضيفت إلى الحق لأنها تكون في الحق والباطل] »

(متفق عليه)

قال العلماء:معنى كلام خديجة- رضي الله عنها- إنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل. ( شرح النووي على مسلم)..

« فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيْ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَآهُ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا-أي: شابًا-، يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟» قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا،ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ (أي: يلبث) وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم » 

[ متفق عليه].

وهذه الرواية دليل قوي على كمال خديجة رضي الله عنها، وحكمتها، وقوة شخصيتها، وثباتها، وفهمها، وبصرها العميق. 

كانت تعرف شخصية النبي المتميزة وحسن السير والسلوك، وهذا جعلها على يقين من أن الله سبحانه وتعالى لن يترك رجلاً مثل محمد صلى الله عليه وسلم لأي مصير سيئ يصيبه. 

عرفت أن وراء هذا الحدث الجديد اللافت الذي طغى على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا عظيمًا أعده الله لرسوله، لذلك تكلمت بكلماتها الرقيقة والحلوة في التشجيع، لتملؤه بالثقة والطمأنينة والاقتناع الراسخ، ووقفت بجانب زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعمته وساعدته على تحمل أسوأ القهر والاضطهاد الذي واجهه في بداية رسالته؛ تحملت معه كل المشقة والصعوبات التي واجهته.

كانت امرأة تقول الحقيقة دائمًا وتحمل هذا العبء بصدق، ولا عجب أنها نالت رضا الله واستحقت أن يكرمها الله، ونقل الله عليها السلام عن طريق رسوليها جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم، وبشرها ببيت في الجنة، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة:
"أن رسول الله ﷺ بشر خديجة -رضى الله عنها- ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نَصَب"
(متفق عليه)

المرأة الصالحة تضع عقلها في العمل الجيد وتفكر مليا وتقدم النصح لزوجها في الأوقات التي قد يكون في أمس الحاجة إلى النصيحة

ومن خلال القيام بذلك، فإنها تقدم معروفًا كبيرًا لزوجها، وهذه إحدى الطرق التي يمكن أن تعامله بها معاملة حسنة.

ومن هذه الحكايات العظيمة التي تتميز بالنصائح الصحيحة التي قدمتها المرأة، رد فعل المسلمين على معاهدة الحديبية ورد فعل أم سلمة، مما أظهر بصيرتها العميقة وحكمتها العظيمة.

كانت أم سلمة رضي الله عنها من الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى مكة لأداء العمرة عام 6 هـ. 
وهي الرحلة التي قطعتها قريش منعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الوصول إلى الكعبة، وبدلاً من ذلك وُضعت معاهدة الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش.

وقد أخذ الرسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورتها، عندما حدث صلح الحديبية بين المسلمين والكفار، وكان من شروط الكفار ألا يدخل المسلمون في هذه المرة لزيارة الكعبة ويعودوا العام القادم، وبعدما فرغوا من كتابة وثيقة الصلح طلب رسول الله من المسلمين أن ينحروا ويحلقوا ولكن لم يقم أحد منهم وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم طلبه ثلاث مرات ولم يفعلوا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فذكر لها ما حدث من المسلمين فقالت رضي الله عنها: يا نبي الله، أتحب ذلك اخرج ولا تكلم أحدا حتى تنحر بدنك (ذبيحتك) وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول الله وفعل بمشورتها فما كان من المسلمين إلا أن نحروا وحلق بعضهم لبعض، وبذلك حلت المشكلة. وقد روت عن رسول الله الكثير من الأحاديث وأخذوا عنها كثيرا من أحكام فقه النساء.