تُعتبر تجربة إنجاب طفل من أجمل التجارب التي يمكن أن تمر بها المرأة، وعندما يرزقها الله بطفلها الأول، تملأ السعادة حياتها! ولكن، عندما تبدأ في التخطيط لإنجاب طفل ثانٍ لتكبر العائلة وتزداد سعادة وتحقق سنة الله في الأرض، وتواجه صعوبة في ذلك، قد تشعر بالارتباك والإحباط!

تُعرف هذه الحالة بـ "العقم الثانوي"، والتي تصبح أكثر تعقيدًا وإثارةً للقلق عندما يحدث تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة، لذلك ملكتي جهزنا لكِ هذا المقال لإعطاؤكِ إجابات مفصلة حول هذه الظاهرة، ونستعرض معًا الأسباب المحتملة، والخيارات العلاجية، وكيفية التعامل مع هذه المشكلة عاطفيًا.

ما هو العقم الثانوي؟ 

العقم الثانوي هو عدم القدرة على الحمل بعد أن سبق للمرأة أن حملت وأنجبت طفلًا واحدًا على الأقل، والسبب في الحيرة التي تصاحب هذه الحالة هو أن المرأة قد تكون لديها تجربة حمل ناجحة من قبل، مما يجعلها تتساءل عن السبب وراء هذا التغيير.

وعندما يتأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة، تزداد الحيرة، حيث أن انتظام الدورة الشهرية يُعتبر في العادة مؤشرًا على أن عملية التبويض تتم بشكل طبيعي وأن خصوبة المرأة جيدة، مما يجعل الأسباب تبدو غير واضحة!

وهنا يتوجب علينا التأكيد على أن انتظام الدورة الشهرية لا يعني بالضرورة أن كل شيء يسير على ما يرام، فالدورة المنتظمة تُشير فقط إلى أن هناك تبويض يحدث كل شهر، ولكنها لا تضمن جودة البويضة، أو قدرة قناة فالوب على العمل بشكل سليم، أو أن بطانة الرحم جاهزة لاستقبال الجنين، أو ما إذا كانت هناك مشكلة لدى الزوج نفسه! 

لذا، فإن التركيز على تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة يفتح الباب أمام استكشاف أسباب أخرى قد تكون هي المسؤولة عن هذه الحالة، وهذا ما سنذكره تاليًا! 

ما سبب تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة؟

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى العقم الثانوي، حتى مع انتظام الدورة الشهرية، ومن أبرز هذه الأسباب:

1) عمر المرأة

مع تقدم المرأة في العمر، تبدأ جودة وعدد البويضات في الانخفاض بشكل طبيعي، وهذا هو أحد الأسباب الأكثر شيوعًا وراء تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة، حتى وإن كانت الدورة الشهرية منتظمة، فإن البويضات التي يتم إطلاقها قد تكون أقل جودة أو تحمل تشوهات كروموسومية، مما يجعلها أقل قابلية للتخصيب أو الانغراس، وغالبًا ما تبدأ هذه التغيرات في الظهور بعد سن الخامسة والثلاثين.

2) مشاكل في قناة فالوب

قد تحدث مشاكل في قناة فالوب بعد الحمل الأول، مثل انسداد أو تلف القناتين نتيجةً لعدوى سابقة أو عملية جراحية، ويمكن أن يحدث هذا بسبب التهاب الحوض، أو عدوى تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، أو حتى نتيجة عملية قيصرية سابقة، إن انتظام الدورة لا علاقة له بصحة قناة فالوب، ولذلك قد يكون هذا هو السبب الرئيسي وراء تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة.

3) مشاكل في الرحم

قد تتطور المشاكل في الرحم بعد الحمل الأول، مثل الأورام الليفية، أو الزوائد اللحمية، أو التصاقات الرحم، والتي يمكن أن تؤثر على قدرة الجنين على الانغراس، هذه المشاكل قد لا تؤثر بالضرورة على انتظام الدورة الشهرية، ولذلك قد تكون هي السبب الخفي وراء تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة.

4) مشاكل في التبويض

على الرغم من أن الدورة منتظمة، إلا أن هذا لا يضمن دائمًا جودة التبويض؛ فقد يكون هناك خلل في عملية إطلاق البويضة أو في جودتها، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة، أو قد تكون هناك أيضًا حالات تبويض غير منتظمة بشكل دقيق، مما يصعب من عملية الإخصاب.

5) مشاكل مرتبطة بالزوج 

قد يكون السبب في تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة مرتبطًا بالزوج، فقد تنخفض جودة أو عدد الحيوانات المنوية لديه مع مرور الوقت، نتيجةً لتقدمه في العمر، أو تغيير نمط حياته، أو تعرضه لبعض العوامل البيئية.

6) أمراض أخرى

قد تؤثر بعض الأمراض المزمنة، مثل مشاكل الغدة الدرقية أو متلازمة تكيس المبايض، على الخصوبة، حتى وإن كانت الدورة منتظمة.

تشخيص تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة

عندما تواجه المرأة تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة، فإن الخطوة الأولى هي استشارة الطبيب، وسيقوم الطبيب بإجراء سلسلة من الفحوصات للوصول إلى التشخيص الصحيح، مثل: 

1) فحوصات الزوجة

• فحوصات هرمونية: للتحقق من مستويات هرمون FSH، وLH، والبروجسترون، وغيرها.
• الموجات فوق الصوتية (السونار): لتقييم حالة الرحم والمبايض، والبحث عن أي أورام ليفية أو أكياس.
• تصوير الرحم وقناتي فالوب بالصبغة (HSG): للكشف عن أي انسداد في قنوات فالوب.
• تنظير الرحم أو البطن: في حالات معينة، قد يلجأ الطبيب إلى هذه الإجراءات للبحث عن التصاقات أو مشاكل أخرى.

2) فحوصات الزوج

• تحليل السائل المنوي: لتقييم عدد، وحركة، وشكل الحيوانات المنوية.

هذه الفحوصات ضرورية جدًا لفهم الأسباب المحتملة وراء تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة، وتحديد خطة العلاج المناسبة.

ما هو علاج تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة؟

بمجرد أن يتم تشخيص سبب تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة، يمكن البدء في العلاج، وتعتمد خيارات العلاج على السبب الأساسي، مثل: 

• تغيير نمط الحياة: في بعض الحالات، يمكن أن يساعد تحسين النظام الغذائي، وممارسة الرياضة، والحد من التوتر، في تحسين الخصوبة.
• الأدوية المنشطة للمبايض: إذا كان هناك ضعف بسيط في التبويض، يمكن استخدام أدوية مثل "الكلوميفين" لتحفيز إطلاق بويضات عالية الجودة.
• التلقيح داخل الرحم (IUI): إذا كانت مشكلة الزوج بسيطة أو كانت هناك مشكلة في مخاط عنق الرحم، يمكن أن يكون التلقيح داخل الرحم خيارًا جيدًا.
• الإخصاب في المختبر (IVF): يعتبر الإخصاب في المختبر هو الخيار الأكثر فعالية في حالات انسداد قنوات فالوب، أو انخفاض جودة البويضات، أو إذا كان هناك ضعف شديد في الحيوانات المنوية، هذه التقنية تفتح باب الأمل للعديد من النساء اللاتي يواجهن تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة.
• إذا كان السبب هو أورام ليفية أو التصاقات في الرحم، فيمكن للطبيب إجراء عملية جراحية لإزالة هذه المشاكل وتحسين فرص الحمل.

إن خيارات العلاج متنوعة جدًا، وتُظهر أن تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة ليس نهاية المطاف، بل هو تحدٍ يمكن التغلب عليه بالعلم والصبر بإذن الله.

كيف تتأثر المرأة نفسيًا بـ تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة

قد يكون الجانب النفسي لـ تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة أكثر صعوبة من الجانب الجسدي؛ فالمرأة التي تمر بهذه التجربة قد تواجه مشاعر معقدة، مثل:

• الشعور بالذنب والمسؤولية: قد تشعر المرأة بأنها المسؤولة عن هذا التأخير، أو أنها لا تهتم بصحتها الجسدية! 
• الغيرة من الآخرين: قد تجد المرأة صعوبة في التفاعل مع صديقاتها اللاتي ينجبن أطفالًا وقد تشعر بالغيرة.
• الخوف والقلق: القلق بشأن المستقبل والقدرة على إنجاب طفل ثانٍ قد يسيطر على تفكيرها.
• الضغط الاجتماعي: قد تواجه المرأة ضغوطًا من العائلة والأصدقاء حول إنجاب طفل آخر، مما يزيد من الضغط النفسي عليها.

للتعامل مع هذه المشاعر، يجب على المرأة وزوجها أن يكونا فريقًا واحدًا! الحديث معًا بصراحة، والدعم المتبادل، والبحث عن مجموعات دعم، يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط النفسي عليهما، ومن الضروري تذكير المرأة بأن تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة ليس خطأها، وأن مشاعرها طبيعية تمامًا.

وفي الختام ملكتي، يجب أن تعلمي أن تأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة هو تحدٍ يواجه العديد من النساء، ولكنه ليس نهاية الطريق، كل ما عليكِ هو محاولة فهم الأسباب المحتملة، والبحث عن التشخيص الصحيح، واتباع خطة علاجية مناسبة، للتغلب على هذه الصعوبة بإذن الله.

والأهم من كل ذلك هو أن تحافظ المرأة على أملها، وأن تعتني بصحتها النفسية، وأن تستمر في البحث عن الدعم، فالعلم قدم لنا الكثير من الحلول، وتأخر الحمل الثاني رغم انتظام الدورة يمكن أن يكون مجرد مرحلة مؤقتة في رحلة الأمومة!