كان "أحمد" رجلاً في منتصف الثلاثينات، يعمل بجد منذ سنوات طويلة، اعتاد أن يخرج مع بزوغ الشمس ليكدّ ويتحمل ضغوط العمل، ثم يعود في المساء مرهقًا، يبحث فقط عن لحظة دافئة مع زوجته التي أحبها منذ البداية، لكن مع مرور الوقت، بدأ يلاحظ أنّ تلك اللحظات تتلاشى شيئًا فشيئًا.
جلس ذات مساء على أريكته في الصالة، محاولاً فتح حديث بسيط معها: قال بهدوء: "ما رأيكِ أن نقضي عطلة نهاية الأسبوع معًا؟ لقد اشتقت لقضاء وقت معكِ بعيدًا عن الروتين."، لكنها لم ترفع رأسها من هاتفها، واكتفت بقول: "سأنظر في جدولي، فلديّ الكثير من الأمور."
شعر أحمد وكأن كلماته اصطدمت بجدار بارد، لم يكن يطلب المستحيل، بل بضع ساعات يشعر فيها أنه رجل حاضر في حياتها لا مجرد ممول لمتطلباتها.
وفي موقف آخر، فوجئ بقرارها شراء أثاث جديد للمنزل دون استشارته، وحين سألها: "لماذا لم تناقشيني قبل أن تدفعي هذا المبلغ؟"
أجابته ببرود: "هذا منزلي كما هو منزلك، ولا داعي لأن أستشيرك في كل صغيرة وكبيرة، فأنت تدفع في النهاية."
لكن الألم الأكبر لم يكن في المال ولا في قرارات المنزل فقط، بل في الأولاد.
ذات يوم عاد ليجد ابنه يبكي لأنه حُرم من المشاركة في رحلة مدرسية؛ فاقترب أحمد وسأله: "لماذا لم تذهَب؟"، قال الطفل: "ماما قالت لي لا، لأنها ترى أن الرحلة مضيعة للوقت."
نظر أحمد إلى زوجته مستغربًا: "لماذا لم تناقشيني في الأمر؟ ربما كان قرارنا مختلفًا لو تشاورنا."، فأجابته بحدة: "أنا أدرى بمصلحة أولادي، ولا أحتاج إلى استشارتك في كل قرار تربوي."
وفي مناسبة أخرى، حاول أحمد أن يجلس مع ابنته ليذاكر معها مادة صعبة، فقاطعته زوجته أمام الطفلة قائلة: "اتركها لي، فأنت لا تعرف كيف تدرّس لها، وأنا المسؤولة عن تعليمهم."
كان وقع كلماتها قاسيًا أمام ابنته التي نظرت إليه مرتبكة، وكأنها تتساءل في داخلها: "هل أبي غير كفء ليهتم بي؟"
تكررت المواقف حتى صار أحمد يشعر أنّه مجرد "ضيف" في حياة أولاده، لا يُستشار في قرار، ولا يُحسب لرأيه وزن، كأن دوره ينتهي عند الدفع فقط، فيما الكلمة العليا لزوجته في كل كبيرة وصغيرة.
وفي ليلةٍ متعبة بعد يوم عمل طويل، كتب لها رسالة مختصرة من قلبه المثقل:
"لم اكن اتخيل يومًا أن اقول : أنا غير مرتاح نفسيا مع زوجتي ! أشعر أنّكِ تتجاهلينني، وتتخذين القرارات وحدكِ، وتعتبرينني مجرد مصرف للمال وحسب. حتى في تربية أولادنا، تلغين وجودي وتتصرفين وكأني غريب، أنا رجل بحاجة إلى التقدير، إلى أن أُعامَل كزوجٍ وشريك، لا كظلٍّ في بيته."
رسالته لم تكن مجرد كلمات، بل صرخة مكبوتة لرجل يبحث عن الحب والاحترام والمكانة في بيتٍ صار يشعر فيه بالاغتراب.
هي في الحقيقة - ربما تكون نيتها حسنة - تريد أن تنجز المهام، وتدير الأمور دون أخطاء، ولكن للأسف هي نفذت ذلك بطريقة تقتل الحب ! سيطرتها الخانقة وتسلطها، أفقدها كل شعور جميل يمكن أن تشاركه مع زوجها..
والحقيقة أن الحياة الزوجية ليست ساحة صراع ولا ميدانًا لفرض النفوذ، بل هي ميثاق مودة ورحمة يقوم على المشاركة والتقدير.
ومع ذلك، نجد في بيوت كثيرة أزواجًا يشتكون من زوجاتهنّ، ويشعرون أنّهنّ يتجاهلنهم أو يسيطرن على كل كبيرة وصغيرة، وفي المقابل، هناك زوجات بدأن يكتشفن أنهنّ بالغن في التحكم، وأنهنّ بحاجة إلى مراجعة أنفسهنّ قبل أن يخسرن ما بنينه.
قد لا تعترف المرأة بسهولة بأنها مسيطرة، لكنّ صوت الضمير أحيانًا يعلو في داخلها، ويجعلها تقف أمام مرآة الحقيقة، تُحادث نفسها بصدق، وتسأل: لماذا أفعل ذلك؟ ولماذا لا أترك لزوجي مساحته؟
حوار داخلي مع النفس
"لماذا أجد نفسي أسيطر على زوجي وأتدخل في كل تفاصيل حياتنا؟ أهذا لأنني قوية فعلًا، أم لأنني ضعيفة في أعماقي؟
ربما لأنني أشعر بعدم الأمان... أخاف أن يتركني أو أن يفضّل غيري، فأحاول أن أفرض وجودي.
وربما لأن جروح الماضي ما زالت تؤلمني، فأنا لا أنسى خيانةً عشتها، أو إهمالًا شعرت به، فأخشى أن يتكرر ذلك إن تركت له حرية التصرف.
وقد يكون السبب رغبتي المفرطة في المثالية... أريد أن يكون بيتنا كاملًا بلا نقص، فيدفعني ذلك إلى انتقاد تصرفاته أو إلغاء رأيه.
وأحيانًا حين يشتد قلقي، أشعر أن السيطرة هي طريقتي الوحيدة لأستعيد توازني، فأفرض رأيي حتى في تربية أولادنا، وكأنني الوحيدة التي تعلم الصواب !
لكنني أدرك أنني أخطئ... فأنا لا أريد زوجًا يطيعني بدافع الخوف أو الاستسلام، بل شريكًا يبادلني الحب والاحترام.
لقد آن الأوان أن أتغيّر، أن أتعلم كيف أترك له مساحته، وكيف أشاركه بدلًا من أن ألغيه."
هذا الحوار قد تعيشه كثير من النساء في أعماقهنّ، لكنه يظل بلا جدوى إن لم يتحوّل إلى خطوات عملية تعيد التوازن إلى العلاقة الزوجية.
تظهر السلوكيات المسيطِرة عند بعض الزوجات لعدة أسباب، منها ما هو نفسي، ومنها ما هو اجتماعي أو مكتسب:
المرأة التي تخشى الفقدان أو تشعر أن زوجها قد يبتعد عنها، تحاول أن تُمسك بزمام الأمور حتى تضمن أنه لن يخرج عن نطاقها.
الزوجة التي عانت خيانة أو إهمالًا في حياتها، أو حتى في طفولتها، قد تطوّر سلوكًا مسيطِرًا كآلية دفاعية.
حب المثالية قد يتحول إلى دافع قهري يجعل الزوجة ترفض أي أسلوب غير أسلوبها، سواء في ترتيب المنزل أو في تربية الأطفال.
بعض النساء يسيطرن لأنهنّ قلقات، فيعتقدن أنّ فرض التحكم على الزوج والأبناء سيمنحهنّ شعورًا زائفًا بالأمان.
حين لا تعرف الزوجة كيف تعبّر عن احتياجاتها بوضوح، قد تلجأ إلى السيطرة بدلًا من الصراحة، فتفرض ما تريده بقرارات جاهزة.
التغيير ممكن، بل وضروري، إذا أرادت الزوجة أن تحافظ على دفء بيتها واستقرار حياتها:
عليها أن تسأل نفسها: هل أسيطر بدافع الخوف؟ أم بسبب تجربة قديمة؟ أم لأنني لا أعرف كيف أطلب ما أحتاجه؟ إدراك السبب نصف الحل.
بدلًا من الصراخ والانتقاد المستمر، يمكنكِ أن تتعلمي التريث؛ فالصمت أحيانًا أبلغ من الجدال، والهدوء يفتح باب الحوار.
حين يُبدي الزوج رأيه، عليكِ أن تُصغي وتناقشي، لا أن ترفضي مباشرة؛ فالمشاركة تُشعره بمكانته وتزيد المودة.
إن شعرت الزوجة أن سلوكها خارج عن إرادتها، فلا عيب أن تستشير مختصًا نفسيًا أو مرشدًا أسريًا.
أن تتيحي له حرية اتخاذ بعض القرارات، وأن تعترفي بحقه كأب في تربية أولاده.
كلمة شكر أو تقدير تغيّر الكثير، والزوج يحتاج أن يسمع أنه مقدَّر، لا أن يُعامل كآلة للصرف فقط.
حين تُظهري احترامًا لرأيه، سيبادلك بالاحترام ذاته.
فالعلاقة مرآة، وما تقدّمه الزوجة يعود إليها مضاعفًا.
إذًا الرجال يحبون التقدير ؟
لأن التقدير بالنسبة للرجل – مثل الحب بالنسبة للمرأة – هو وقود العلاقة.
فالزوج بطبيعته يحب أن يشعر أنّ جهوده مرئية، وأنّ ما يقدمه من تعب، مسؤوليات، أو حتى أبسط الأفعال اليومية، ليس أمرًا مُسلَّمًا به بل محل امتنان.
عندما تقدّرينه بالكلمة أو النظرة أو الفعل، فأنتِ تقولين له بشكل غير مباشر: "أراك، وأشعر بما تبذله، وأنت مهم في حياتي."
وإليكِ الأسباب بشكل أوضح:
الرجل يشعر برجولته عندما يُقدَّر، وعندما يُقال له: "شكرًا لأنك تحملت عني"، أو "وجودك بجانبي يصنع فرقًا."
فهذا يعكس له أنه ليس مجرد "مؤدي واجبات"، بل عمود البيت، فلا مجال حينها لأن يشعر الزوج بالأسى قائلًا : أنا غير مرتاح نفسيا مع زوجتي !
الزوج الذي يسمع من زوجته كلمات امتنان، يفتح أذنه وقلبه أكثر لأي ملاحظة أو طلب، لأنّ التقدير يُلين قلبه.
الرجل مثل الطفل الكبير أحيانًا: إذا شعر أن ما يقدمه يُقابل بالحب والثناء، يضاعف جهده من تلقاء نفسه.
كثير من الأزواج يعيشون تحت ضغط المسؤوليات: العمل، المال، الأهل.. إلخ.
عندما يجد في زوجته من تُشعره أنه "يكفي" حتى لو قصّر، يخفّ عنه عبء المقارنة والتوتر، ولن يقول حينها أنا غير مرتاح نفسيا مع زوجتي !
تمامًا كما تحب المرأة أن تسمع: "أنتِ جميلة، أنتِ غالية"، يحب الرجل أن يسمع: "أنا فخورة بك، أنت سندي." هذه الكلمات بالنسبة له طمأنينة داخلية.
إذًا فالتقدير بالنسبة للزوج ليس مجاملة، بل احتياج أساسي يُشعره أنه ليس وحيدًا في معركته مع الحياة، وأنّ بيته هو المكان الذي يُكافأ فيه على تعبه لا الذي يُطالب فيه فقط بالمزيد.
إنّ السيطرة قد تمنح المرأة شعورًا مؤقتًا بالقوة، لكنها في الحقيقة تهدم جسور المودة وتزرع بذور الفجوة بينها وبين زوجها، فيصرخ قائلًا : أنا غير مرتاح نفسيا مع زوجتي !
وما أجمل أن تراجع المرأة نفسها بشجاعة، وتعيد النظر في سلوكياتها، فتتخلى عن التحكم المفرط وتتبنّى لغة الحوار والاحترام.
فالبيت السعيد لا يقوم على طرف يلغي الآخر، بل على زوجين يتكاملان، يتنازلان أحيانًا، ويتشاركان دائمًا.
وحين تدرك المرأة أنّها لا تفقد قيمتها حين تفسح المجال لزوجها، بل تزيد احترامًا في عينيه وعند أبنائها، ستجد أن التغيير لم يكن تضحية، بل كان أعظم استثمار في الحب والاستقرار.
هل يجب على الزوجين تبادل كلمة السر لهواتفهم
يمكن أن يؤدي انعدام الثقة إلى رغبتنا في مراقبة سلوك الشخص الآخر من خلال مشاركة كلمة السر، بينما يمكن للأساس المتين من الثقة أن يجعل المراقبة
أهل زوجي يسيئون معاملتي.. فما الحل
كم من استشارات تصلني على شكل تساؤلات، كيف اخلي اهل زوجي يحسبون لي الف حساب ؟ أو نفسيتي تعبانه من اهل زوجي أو أهل زوجي يدخلون بيتي بدون استئذان
كيف اكون أفضل صديقة لزوجي
التفكير في زوجك باعتباره أفضل صديق لكِ سيؤدي إلى تعميق علاقتك به بالتأكيد، ولكن يبرز هنا السؤال الأهم : كيف اكون أفضل صديقة لزوجي ؟