كم أجبرتنا ظروف الحياة وتباين ظروف الناس على الإنعزال بشكل كبير، تارة بالبعد عن الاجتماعيات والإنشغال بالعمل وتحقيق الذات ثم الإنشغال بالتكنولوجيا والهواتف والسوشيال ميديا! وغيرها كثير من الأسباب التي بقدر ما جعلتنا نعيش في قرية صغيرة إلا أنه قد أصبح لكل منا جزيرة بداخل نفسه ينعزل فيها عن الآخرين !

ولكن أحيانًا تُفرض الوحدة و العزلة علينا ! فكيف نتعامل معها لضمان سلامة الصحة النفسية لنا ؟!

 وفقًا لخبراء الإبحار لمسافات طويلة أن تكوني وحيدة يمكن أن يعني السلام والرضا، وكما قلنا يمكن أن تكون العزلة اختيارًا.

هل هناك فرق بين الوحدة والعزلة؟

بالتأكيد فكما تقول "كيرستن نويشافير" خبيرة الإبحار الفردي للمسافات الطويلة، تبحر "كيرستين" بشكل روتيني منفردة عبر المحيط وأحيانًا لأكثر من 30 يومًا في المرة الواحدة، وهي الآن تستعد لسباق إبحار بمفردها في البحر لمدة 300 يوم تقريبًا مع القليل من الاتصال بالعالم الخارجي! ومع ذلك فهي ليست قلقة من الشعور بالوحدة، فبالنسبة لها هذه الوحدة تعني السلام والصحة النفسية والرضا أكثر من الأفكار والمشاعر السلبية.

وإذا وجدتي نفسك تقاومين العزلة، فهناك طرق لتعلم احتضانها وجني فوائد قضاء الوقت بمفردك !

 ما الفرق بين الوحدة والعزلة؟

وفقًا للمتخصصين في علم النفس الاجتماعي الكمي بجامعة دورهام، هناك خط واضح بين الوحدة والعزلة:

فالعزلة : ببساطة هي تجربة الوحدة !

بينما في المقابل الوحدة : هي عاطفة ذاتية تكون معبرة عن شعور سلبي دائمًا.

خصائص الشعور بالوحدة

الوحدة هي حالة فريدة تحدث عندما يرى الفرد نفسه على أنه معزول اجتماعيًا، فالشعور بالوحدة يحدث عندما يكون هناك فرق بين توقع الشخص لما يجب أن تكون عليه الحياة الاجتماعية مقارنةً بواقع ما هي عليه حقًا.

الأخطر من ذلك أنه يمكن للإنسان الشعور بالوحدة حتى عندما لا يكون بمفرده حيث كشفت دراسة أجريت عام 2019، أنه على الرغم من أن الشباب لديهم شبكة اجتماعية أكبر من البالغين في منتصف العمر إلا أنهم أبلغوا عن شعورهم بالوحدة والعزلة لضعف عدد الأيام.

كما أظهرت دراسة أجريت عام 2020 على المراهقين في هولندا أيضًا أن الشعور بالوحدة غالبًا ما يرتبط باحترام الذات ويمكن أن يتأثر بإدراكك لمقدار مكانتك عند الأشخاص من حولك، كما يمكن أن تتفاقم الوحدة بسبب مشاعر "عدم الأهمية" والتي تُعرّف عندما تشعري بأنكِ غير مرئية أو غير مهمة للآخرين.

خصائص العزلة

على عكس الوحدة لا يجب أن تكون العزلة سلبية أو إيجابية، غالبًا ما تعتمد تجارب العزلة على الظروف ويمكن أن تختلف باختلاف الثقافات والتركيبة السكانية.

وعلى سبيل المثال فإن التجارب الإيجابية للعزلة عادة ما تكون مرتبطة بالاختيار حيث يمكن أن تؤدي العزلة إلى الاسترخاء وتقليل التوتر عندما يختار الناس أن يكونوا بمفردهم.

أما الإجبار على العزلة كما هو الحال عندما يتم وضع الطفل في وقت مستقطع، يميل إلى أن يكون تجربة سلبية ومؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية.

أظهرت الأبحاث من عام 2019 أيضًا أن العزلة يمكن أن تكون مفيدة لاستكشاف الذات والإبداع والتجديد الذاتي.

كما وجدت دراسة أجريت عام 2021 أنه في حالة المراهقين ، فإن قضاء الوقت بمفردهم لا يقل أهمية عن قضاء الوقت مع الآخرين، ومن المرجح أن تجعل الأنشطة الفردية مثل الهوايات والفن العزلة ممتعة للمراهقين.

تقول "كيرستين" كخبيرة في الإبحار لمسافات طويلة، اعتادت أن تكون بعيدة عن العائلة والأصدقاء، وقد كانت أطول مدة قضتها بمفردها في البحر  67 يومًا: "في فترة شهرين من العزلة، تدخل نوعا ما في الأخدود حيث تصلي نوعًا ما إلى تلك النقطة وتقدري حقيقة أنكِ وحدك، هناك شعور بالسلام ينبع من الوحدة الكاملة."

في الواقع هناك أوقات نشعر فيها بالوحدة حتى عندما تكوني محاطة بأشخاص آخرين، عندما تكوني بين الناس في مدينة كبيرة والجميع في عجلة من أمرهم، لا أحد يتحدث إليكم وأنتم جميعًا تتسابقون، هذه هي الوحدة الحقيقية التي لا تساعد في سلامة الصحة النفسية!"

ولكن كيف نواجه هذه التحديات النفسية ونخرج منها بسلامة صحتنا النفسية ! هذا ما سنعرفه غدًا بإذن الله فانتظرينا !