سارة بنت هارون، زوجة سيدنا إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وهي أم النبي إسحاق، من النساء اللاتي أثنى عليهن القرآن الكريم، فهي امرأة صابرة مباركة، أكرمها الله بمعجزتين عجيبتين؛ أولهما يوم حفظها الله من أيدي أحد جبابرة الأرض، وثانيهما يوم ولدت نبي الله إسحاق في سنٍ كبيرة وبعد عقم طال سنوات. 

ومن العِبر في قصة السيدة سارة، أن قدرة الله مطلقة لا تتقيد بالضوابط والمألوف، فمن سنن الله في الأرض أن للحمل والإنجاب وقتًا وعمرًا محددًا، وعندما تصله المرأة لا يمكن أن تحمل، لكن السيدة سارة كان لها شأن مختلف وقد ميزها الله عن كل النساء بالإنجاب في سن الشيخوخة، فكان الإنجاب في هذه السن المتأخرة من باب الكرامة لها!

كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم وزوجته سارة قد غادروا للتو العراق ليستقروا في فلسطين لكن أراد الله هجرتهم إلى مصر، تحرك سيدنا إبراهيم بأوامر من الله لنشر التعاليم السماوية في الأرض حتى وصلوا إلى مصر بعد رحلة طويلة.

رحلتها إلى مصر مع زوجها نبي الله إبراهيم

تشير الكثير من الروايات إلى أن السيدة سارة هي ابنة عمّ سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانت على قدر كبير من الجمال بحيث لا يدانيها في التاريخ إلا حواءُ أجملُ نساء العالمين، فقد أعطى الله للسيدة سارة جمالًا خاصًا أثار غيرة أجمل نساء زمانها.

أرسل ملك مصر الجنود وأمرهم أن يقتلوا الرجل الذي مع سارّة إنْ كان زوجها، فلما جاؤوا إلى إبراهيم وسألوه قال: (هي أختي -يقصد أخته في الإسلام-)، فأخذوها إلى هذا الملك ولما أراد أن يمدّ يده إليها: دعت الله عزّ وجل بهذا الدعاء: "اللهم إن كنت آمنت بك وبنبيك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فاكفني هذا الفاجر".

وفعلًا استجاب الله دعائها فتجمّدت يده وخاف وفزع ورجاها أن تُطلقه، فدعت الله خوفًا من أن يأمر بقتلها، ولكنه كرر محاولاته 3 مرات، فلما كانت المرة الثالثة دعا الحرس وقال: "ما أدخلتم عليّ إنسانًا، أدخلتم علي شيطانًا، أطلقوها"، ثم رجعت إلى سيدنا إبراهيم الذي كان قائمًا يدعوا فلما جاءته أخذها ورحل إلى فلسطين.

قصتها مع العقم 

مرت سنوات طويلة من الانتظار لم تسفر عن شىء شعرت فيها السيدة سارة بالحزن والقلق لأنها لم تنجب ابنًا يكون سندًا لها ولزوجها ويدخل السرور إلى قلبه، لذلك فكرت فى حلٍ حتى لا يُحرم زوجها نبى الله من الذرية الصالحة. 

ترددت كثيرًا وهى تنظر إلى هاجر وتفكر بها كزوجة لزوجها بعد أن عرفا عنها حسن الأخلاق والأدب الشديد منذ أن وهبها لها ملك مصر لتكون في خدمتها، ورغم أنها أجمل نساء الأرض التى فُتِن الملك بجمالها، فقد كانت غيرتها كأى امرأة وتخشى أن يهجرها زوجها إلى الزوجة الجديدة وينصرف عن محبتها، لكنها قست على قلبها وتجاهلت وساوسها وطرحت على زوجها الفكرة بعد أن غادرها الأمل فى أن تكون أمًا يومًا ما، ولكن الغيرة دبت في قلب السيدة سارة مثل أي امرأة أخرى فغارت من هاجر ومن حب إبراهيم لولده إسماعيل فأراد الله -سبحانه وتعالى- أن ينزع تلك الغيرة من قلبها فأوحى إلى نبيه إبراهيم عليه السلام أن يأخذ هاجر ورضيعها إسماعيل وأن يتركهم في مكة وذلك لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى..

﴿رَبَّنَا إِنِّى أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ سورة إبراهيم 37 

بشرى الحمل!

ومضت السنوات حتى تخطت السيدة سارة التسعين من العمر وقد ارتضت بنصيبها من الدنيا ونسيت حلم الأمومة، إلا أن الله لم ينسَ تلك الأمنية التى استقرت طويلًا بقلبها، فبشرتها الملائكة بأنها ستنجب ولدًا اسمه إسحاق.

استقبل سيدنا إبراهيم الملائكة وهو لا يدري بأمرهم، ثم قدّم لهم عجلًا مشويًّا، ولمّا رأى أنهم لم يأكلوا استنكر أمرهم، فأخبروه بأمرهم: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ • فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ • وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ سورة هود 69 ، 70 ، 71

ضحكت سارة فرحًا بهلاك قوم لوط الفاسدين، فبُشّرت بثلاث بشارات: بشرى بإسحاق وبشرى بيعقوب وبشرى أنها ستعيش حتى ترى أحفادها، تعجّبت سارة! ولكن لا عجب إذا جاء أمر الله!

﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ • قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ سورة هود 72 ، 73

﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ سورة الذاريات 29

إلا أن الله لم يحقق أمنيتها وحسب وإنما جعلها أم الأنبياء وجعل أكثر الأنبياء فى ذرية إبراهيم منها هي، وبعد أن كانت عجوزًا عقيمًا يئست من الأمومة والإنجاب أصبحت أمًا للكثير من الأنبياء، فهي أم النبى إسحاق أبو النبى يعقوب الذى ينحدر من نسله أنبياء بنى إسرائيل كلهم.

الخلاصة والعبرة من هذه القصة ملكتي هي أنه مهما بلغ عدد محاولات الحمل ومهما شعرتِ باليأس أنتِ وزوجك فيجب أن تعلما أن رحمة الله قريب وأن كل تأخير له سبب وحكمة لا يعلمها إلا هو، فقد قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ سورة الشورى 50

فيجب عليكما أن تستمتعا بحياتكما معًا وترضيا بما آتاكما الله من نِعم لا تُعد ولا تُحصى ولا تستعجلا أقدار الله، فكل شيءٍ بقدر، ولكن في نفس الوقت يجب عليكما الأخذ بالأسباب ومعرفة ما إذا كانت هناك مشكلة تسبب لكما تأخر الحمل أم لا، فمع تقدم الطب وعلاجات الخصوبة أصبح العقم أمرًا شائعًا يمكن علاجه بسهولة بإذن الله.