اكتشفي أسباب الالتهابات المتكررة رغم الاهتمام والعناية

لماذا تُصاب بعض النساء بالتهابات متكررة رغم الاهتمام والعناية؟

عزيزتي، إذا كنتِ من النساء اللواتي يعتنين بنظافتهن، يتبعن تعليمات الطبيب، ويحرصن على نمط حياة صحيّ، ومع ذلك تعانين من التهابات متكررة (في المهبل أو المسالك البولية أو الجلد حول الأعضاء التناسلية)، فأنتِ لستِ وحدك. تكرار الالتهابات يمكن أن يكون محبطًا ومجهدًا، لكنه قابل للفهم والعلاج — بشرط أن نعرف الأسباب الحقيقية وراءه.

 

لماذا تُصاب بعض النساء بالتهابات متكررة رغم الاهتمام والعناية؟

في هذا المقال الشامل والمبسط سأشرح لكِ، وبالاستناد إلى مصادر طبية موثوقة، لماذا يحدث ذلك، ما الفحوص التي تُكشف السبب، وماذا يمكنكِ أن تفعلِي فعلاً لتقليص تكراره واستعادة راحتكِ وثقتكِ بجسدكِ.

 

ما الذي نعنيه بـ«التهابات متكررة»؟

بشكل عام، نقول إن المرأة تعاني التهابات متكررة عندما تتعرض لأكثر من حلقة عدوى من نفس النوع (أو متباينات) خلال فترة زمنية قصيرة — مثال شائع: التهابات المسالك البولية ≥2 مرات خلال 6 أشهر أو ≥3 مرات خلال السنة تُعتبر متكررة. ونفس الفكرة تُطبّق على التهابات المهبل (مثل التهابات الخميرة المتكررة أو التهاب المهبل البكتيري المتكرر). هذه الحالات تحتاج فحصًا أعمق لمعرفة السبب الأساسي ولا تُعالج دائمًا بمجرد وصف مضاد حيوي واحد متكرر.

 

أنواع الالتهابات المتكررة الشائعة عند النساء

قبل الدخول في الأسباب، من المفيد أن نميّز بين أنواع الالتهابات التي تعود كثيرًا:

1. التهابات المسالك البولية المتكررة (rUTIs): عدوى المثانة أو الإحليل المتكررة، غالبًا بسبب بكتيريا مثل E. coli.

2. التهاب المهبل البكتيري (Bacterial Vaginosis - BV) المتكرر: اختلال توازن البكتيريا الطبيعية في المهبل يؤدي إلى روائح وإفرازات وعودة الأعراض بسرعة بعد العلاج أحيانًا.

3. التهاب الفطريات المهبلي (Vulvovaginal Candidiasis - VVC) المتكرر: ناتج عن تكاثر Candida، ويعرّف عادةً بحدوث ≥3 حلقات في السنة.

كل نوع له آليات وأسباب مختلفة قد تتداخل أحيانًا في نفس المريضة. لذلك التشخيص الدقيق أساسي.

 

لماذا تحدث الالتهابات المتكررة رغم العناية؟ — الأسباب الأساسية والخفية

 

1) اختلال الميكروبيوم (Flora imbalance) السبب الأكثر شيوعًا

الأنسجة التناسلية المهبل والجلد حوله تحتوي على مجتمع بكتيري طبيعي يعمل كدفاع أولي. عندما يتغير توازن هذه البكتيريا (نقص اللاكتوباكسيلس المفيدة وازدياد بكتيريا أخرى) تظهر أعراض مثل BV، وتصبح البيئة مهيأة لالتهابات متكررة. كما أن بعض بكتيريا المهبل قد تكون مصدرًا متكررًا لبكتيريا تُسبب التهابات المثانة (دراسة أظهرت أن بكتيريا مهبلية يمكن أن تُطلق التهابات المسالك البولية المتكررة). إذًا ليست مسألة نظافة بالضرورة، بل توازن ميكروبي دقيق.

 

2) الاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية

المضادات الحيوية قد تُقتل البكتيريا المسببة للعدوى، لكنها أحيانًا تُنهي أيضًا البكتيريا المفيدة، ما يؤدي إلى ازدواجية: الشفاء المؤقت ثم عودة العدوى أو أنواع مقاومة. لهذا السبب تتكرر BV وVVC بعد علاج متكرر وغير موجه. بعض الدراسات تشير إلى أن البيوفيلمات البكتيرية تحمي البكتيريا من المضاد الحيوي وتساهم في العودة السريعة للعدوى.

 

3) عوامل مرتبطة بالسلوك والحياة الجنسية

النشاط الجنسي المتكرر أو استخدام بعض وسائل منع الحمل (مثل الحجاب الرحمي أو مبيدات النطاف/spermicides) قد يزيدان من مخاطر التهابات المسالك البولية والمهبلية. الجماع يمكن أن ينقل بكتيريا من المنطقة الشرجية إلى الإحليل أو يسبب تغيرات في مخاط عنق الرحم والمهبل تسبب تكرار الأعراض.

 

4) مشاكل تشريحية أو وظيفية

بعض النساء لديهن تصاميم تشريحية أو حالات مثل عدم إفراغ المثانة جيدًا (بسبب استرخاء الحوض، تضخم عنق الرحم، أو أسباب عصبية) ما يسمح للبكتيريا بالبقاء والتكاثر. أيضًا عند وجود رواسب أو تضيق أو حصاة بالكلى/المثانة قد تتكرر العدوى.

 

5) الحالات الطبية المزمنة

أمراض مثل السكري تزيد من احتمال التهابات الخميرة والمسالك البولية بسبب ارتفاع السكر في البول وتأثيره على المناعة المحلية. اضطرابات الجهاز المناعي أو أدوية مثبطة للمناعة تزيد كذلك.

 

6) الهرمونات والتغيرات المرتبطة بالعمر

في سن اليأس (انخفاض الإستروجين) يصاب المهبل بـ«ضمور مهبلي» (atrophic vaginitis) تقل فيه اللاكتوباكسيلس ويزداد خطر الالتهابات. كما أن التغيرات الهرمونية في الحمل أو بعد الولادة قد تزيد الحساسية للالتهابات.

 

7) المسببات الصامتة أو غير المشخّصة

أحيانًا تُشخّص المرأة وتُعالَج بشكل عرضي (بدون فحص مزرعة أو اختبار دقيق)، لكن السبب الحقيقي—مثل وجود سلالة مقاومة، فطر غير نمطي، أو عدوى متزامنة—يبقى دون علاج، فتتكرر الأعراض. لذا التشخيص الدقيق (مزرعة، فحص ميكروبيولوجي، أو فحوص إضافية) مهم.

 

ماذا يفعل الأطباء عادةً لتشخيص السبب الحقيقي؟

عندما تزورين الطبيبة/الطبيب بعد تكرار التهاب، سيطلب عادةً:

تاريخ مرضي مفصل: عدد ونوع الالتهابات، علاجات سابقة، جدول العلاقة الجنسية، استخدام وسائل منع الحمل، أمراض مزمنة.

فحص سريري: فحص نسائي وبولي.

مزرعة للبكتيريا/فحص فطري: لتحديد المسبب الدقيق وسِلالته ومقاومتها للأدوية.

فحوص دم/سكر/هرمونات: عند الاشتباه بمرضٍ مزمن (مثل السكري أو اضطراب هرموني).

تصوير أو فحوص متقدمة: في حالات التهابات المسالك البولية المتكررة قد يُطلب تصوير للكلى أو مثانة أو تقييم التفريغ البولي.

 

الهدف: ليس مجرد وصف مضاد حيوي آخر، بل فهم السبب لعلاج جذري أو إعطاء خطة وقائية طويلة الأمد.

 

كيف تُعالج الالتهابات المتكررة؟ حلول طبية ووقائية عملية

 

أ. استراتيجيات طبية مُثبتة

1. علاج موجه بناءً على مزرعة: بدلاً من وصف مضاد حيوي عشوائي، يتم اختيار الدواء الذي تُظهر المزرعة حساسية الميكروب تجاهه. هذا يقلّل الفشل العلاجي والعودة.

 

2. العلاج الوقائي طويل الأمد: في حالات التهابات المسالك البولية المتكررة قد يُنصح بمضاد حيوي بجرعات صغيرة يوميًا أو بعد الجماع (post-coital prophylaxis) لفترات محددة. المبادئ والإرشادات موجودة في إرشادات المسالك البولية.

 

3. العلاج المركب للـBV: لأن BV يرتبط ببيوفيلمات قد لا يقضي عليها الدواء الفموي وحده، فاستراتيجيات جديدة تشمل استخدام المضادات المحلية أو مزيج مع بروبيوتيك أو علاجات مضادة للبيوفيلم. البحوث نشطة في هذا المجال.

 

4. التحكم في عوامل الخطر: علاج السكري أو ضبط الأدوية المضعفة للمناعة أو مراجعة وسائل منع الحمل قد يُحسّن الوضع.

 

5. العلاجات البديلة للحالات المقاومة: مثل استخدام حمض البوريك (موضعياً للفطريات المقاومة وغير التقليدية) في حالات مُحددة تحت إشراف طبي أو علاجات فموية/موضعية حسب الإرشادات. لكن لا تُستخدَم دون استشارة — فهناك مخاطر وموانع.

 

ب. دور البروبيوتيك والميكروبيوم

أبحاث متزايدة تُشير إلى فائدة البروبيوتيك (سلالات محددة من اللاكتوباكسيلس) في تقليل تكرار BV وربما المساعدة في الوقاية من بعض حالات UTIs عبر دعم توازن الفلورا. مراجعات ونُظُم تجريبية أظهرت نتائج واعدة، لكن النتائج تختلف حسب السلالة، الجرعة وطريقة الإعطاء (فموي أو مهبلي). لذلك يُمكن مناقشة إضافتها مع الطبيبة كخيار داعم وليس بديلًا للعلاج المعياري.

 

ج. نصائح عملية قد تساعدكِ في المنزل (دعم طبي وليس بديلاً عنه)

تجنبي الغسل المهبلي (douching) لأنه يخل بتوازن البكتيريا ويزيد فرص BV.

بعد التبرز، امسحي من الأمام للخلف لتقليل نقل البكتيريا من الشرج إلى الإحليل. (عادة توصف هذه النصيحة للوقاية من UTIs).

اشربي كمية كافية من الماء وافرغي المثانة بعد الجماع لتقليل خطر نقل البكتيريا إلى المسالك البولية.

قللي من استخدام منتجات معطرة/صابون قوي حول المهبل؛ استخدمي منتجات لطيفة وغير معطّرة.

إذا كنتِ بعد سن اليأس وُجد لَذَلِك ضمور مهبلي، قد توصف كريمات هرمونية موضعية (إستروجين) لتقوية الغشاء المخاطي وتقليل العدوى.

 

حالات ومفاهيم خاطئة يجب تصحيحها

ليست كل التهابات ناتجة عن قلة النظافة. كثير من الحالات سببها اختلال الميكروبيوم أو عوامل داخلية أخرى.

لا تكرّري المضاد الحيوي دون فحص. هذا قد يزيد المشكلة (مقاومة، خلل فلورا).

علاج الشريك: في BV عادةً لا يُنصح بعلاج الشريك الجنسي في كثير من الحالات، لكن في حالات متكررة أو وجود شريك يعاني من أعراض، قد تُناقش الخيارات مع الطبيب. القواعد تختلف حسب نوع العدوى.

 

متى تستشيرين الطبيب المتخصص فورًا؟

إن كانت العدوى متكررة جدًا (أكثر من 3 حلقات في السنة) أو مقاومة للعلاج.

إذا صاحبت العدوى أعراضًا شديدة (حمى، ألم حوضي حاد، نزف غير طبيعي).

إن كانت هناك علامات مرض مزمن مثل فقدان وزن أو تعب شديد أو سكر غير مضبوط أو استخدام أدوية مضعفة للمناعة.

إن لم يتحسّن الطفل أو الشريك بعد العلاج أو لو ظهرت مضاعفات.

 

تمسكي بالأمل والتعامل الذكي مع المشكلة

عزيزتي، تكرار الالتهابات ليس دليلاً على تقصيركِ أو إهمالكِ — بل غالبًا نتيجة أسباب طبية معقّدة: اختلال الميكروبيوم، تأثير المضادات الحيوية، عوامل تشريحية أو أيضية، أو تداخل عدة عوامل. الحلّ يبدأ بتغيير مقاربة «وصف الدواء» إلى مقاربة «تشخيص السبب + خطة وقائية مخصّصة». بالتعاون مع طبيبتكِ يمكنكِ الوصول إلى خطة علاجية ووقائية تقلّل من التكرار، تحسّن جودة حياتكِ، وتعيد إليكِ الثقة والراحة.