هل جرّبتِ يومًا أن تُغلقي عينيكِ... وتتركي الأمور لله؟ في حياتنا، نركض بحثًا عن الإجابات، نُرهق أنفسنا بالسؤال: "لماذا حدث هذا؟" و"إلى أين يقودني هذا الطريق؟" لكن الحقيقة التي تُطمئن القلب هي أن في الرضا سرًا لا يُدرك بالعقل، بل يُذاق بالقلب.

التسليم لأمر الله ليس ضعفًا، بل قمة القوة... أن تقفي وسط العاصفة وتقولين: "أنا أثق بالله، حتى وإن لم أفهم حكمته الآن."

الرضا لا يعني غياب الألم، بل يعني أن الألم لم ينتصر على إيمانك.

في السطور القادمة، لن نُحدّثكِ عن نظرية، بل عن موقف حيّ، خُلد في التاريخ، يكشف كيف يصنع اليقين المعجزات، وكيف يُثمر الصبر ماءً وسط الصحراء.

قبول مشيئة الله -سبحانه وتعالى-

في وقتٍ لاحق بعد هجرة النبي إبراهيم -عليه السلام- أنجبت زوجته الثانية، السيدة هاجر، طفل أسموه إسماعيل، وبينما كان الطفل لا يزال صغيرًا قال الله لإبراهيم أن يستعد لأخذ هاجر والطفل إسماعيل في رحلة طويلة.

سافروا إلى جزء غير مأهول من الصحراء العربية واستقر إبراهيم زوجته وابنه تحت شجرة وابتعد تاركهما هناك بمفردهما ومعهما كيس من التمر وبعض الماء، ومن هذه النقطة في القصة يعلمنا سلوك كلٍ من النبي إبراهيم -عليه السلام- والسيدة هاجر دروسًا ويكشف القليل عن مناسك الحج.

فبسبب حيرتها سألت السيدة هاجر إبراهيم -عليه السلام- عما إذا كان الله قد أمره بتركهم وشأنهم في هذا المكان القاحل، وعندما أكد لها إبراهيم -عليه السلام- ذلك قبلت الوضع بتواضع وسلمت نفسها وابنها لمشيئة الله.

وهذا يعلمنا أننا يجب أن نجد الراحة في قبول إرادة الله، فأحيانًا يكون الأمر بعيدًا عما كنا نتوقعه ولكن الله له في كل شيء حكمة! قبلت هاجر مصيرها لكن هذا لا يعني أنها لم تواجه تحديات صعبة! فعندما نفد الماء والتمر كانت هي وطفلها إسماعيل يواجهان مستقبلًا مجهولًا! ظلت هاجر تركض بين الصفا والمروة لتطلب المساعدة.

وفجأة لما كانت تركض هاجر ما بين الجبلين جاءها الملك جبريل -عليه السلام- وأخذها إلى المكان الذي فيه عين زمزم، وضرب الأرض برجله فنبع الماء، فصارت تحمل من ذلك الماء وتضعه في قربتها وتُحيطه بالحصى؛ مخافة أن يضيع في التراب، فقال الملك لهاجر: لا تخافي العطش يا هاجر، فحمدت هاجر ربها وشكرته؛ فهو وحده الذي أنقذ حياتها وحياة ابنها.

وفي النهاية تمكنوا من تحويل الصحراء القاحلة إلى مجتمع مزدحم! وعلى الرغم من ذلك فعندما ابتعد إبراهيم عن أسرته لم يتركهم بدون حماية! فعندما استدار ولم يستطع رؤيتهم إلا كنقطة صغيرة في الأفق دعا الله -سبحانه وتعالى- أن يحميهم ويحفظهم ويرزقهم، (رَّبَّنَاۤ إِنِّیۤ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیۡرِ ذِی زَرۡعٍ عِندَ بَیۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡكُرُونَ).

الثقة في اختيارات الله

من الضروري أن نضع هذه القصة في الاعتبار عندما نواجه مشاكل غير متوقعة، فقد أظهر كلٍ من النبي إبراهيم والسيدة هاجر ثقة هائلة في مشيئة الله.

لقد اعتقدوا أن اختياراته بالنسبة لهم مهما كانت غير مرجحة أو غير متوقعة ستثبت في النهاية أنها أفضل الخيارات، لقد فهموا أيضًا أن الله هو الوحيد الذي يمكنهم الاعتماد عليه لطلب المساعدة وفي جميع المواقف، وعلمت هاجر أنه إذا أمر الله إبراهيم أن يتركها وطفلها في البرية فإن قراره هذا كان لحكمة، وعرف إبراهيم أن دعاءه لعائلته الحبيبة كانت الطريقة الوحيدة المؤكدة لحمايتهم من أي شيء.

ويمكن مقارنة حياتنا في هذا الوقت من الحروب الأهلية والوباء العالمي بحياة النبي إبراهيم -عليه السلام-، فلطالما واجه البشر المحن والمصاعب ولكن الله يعلم ما هو الأفضل لخليقته وقد زودنا بالمساعدات اللازمة للتغلب على أكثر الظروف صعوبة والتغلب عليها، ومن هذه المساعدات هي الاقتداء بالأنبياء! فحياتهم تعلمنا كيف نتصرف في أصعب الظروف وأكثرها قسوة.