يعد الثراء الشديد حلمًا لمعظم البشر، فمن منا لا يحلم بامتلاك الأموال الطائلة وفعل ما يحلو له بها من استمتاع، وشراء لما نحتاجه، وسفر لزيارة الأماكن التي لطالما حلمنا باكتشافها .. ولكن بطلة قصتنا اليوم رزقها الله سبحانه وتعالى بكثير من المال، فماذا فعلت به وكيف استثمرته.. تابعي القراءة لتعرفي قصة فاطمة الفهرية !

تعد فاطمة بنت محمد الفهري واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في التاريخ الإسلامي والعربي، إنها المرأة التي أسست أول جامعة في تاريخ البشرية، وقد جاءت من سلالة قرشية ترتبط بالفاتح التونسي الكبير، عقبة بن نافع الفهري، الذي قاد الجيوش الإسلامية في فتح تونس وأسس مدينة القيروان.

فاطمة بنت محمد الفهري وأصولها

تنتسب فاطمة بنت محمد الفهري إلى عائلة قرشية ذات أصول عربية، يعود نسبها إلى الفاتح التونسي عقبة بن نافع الفهري، الملقب بـ فاتح أفريقيا حيث قاد هذا الجد العظيم الجيوش الإسلامية التي قامت بفتح تونس وشهد أيضاً تأسيس مدينة القيروان الشهيرة.

نشأة فاطمة بنت محمد الفهري

ولدت فاطمة بنت محمد الفهرية في عام 800 ميلادية في مدينة القيروان في تونس، التي كانت تُعرف حينها باسم إفريقيا، بعد فترة انتقلت هي وأسرتها إلى مدينة فاس بالمغرب، وكان والدها محمد بن عبدالله الفهري رجلًا ثريًا للغاية، يمتلك ثروة كبيرة، وكان لديه ابنتين فقط، فاطمة وأختها مريم، وقد قام والدهما بتربيتهما بعناية فائقة، وعندما بلغوا سن الزواج، قام بتزويجهما.

قصة بناء جامع القرويين

بعد وفاة والدهما، رغبت فاطمة وأختها في إنشاء صدقة جارية تخلد ذكرى والدهما، كما أن زوجها توفي بعد ذلك أيضًا، فورثت الكثير من الأموال عن والدها وزوجها هي وأختها مريم، ويعتقد أنها لقبت بأمّ البنين لكثرةِ تصدقها على طلاب العلم ورعايتها لهم، ولم تتوقف "أم البنين" عن التأمل في وضعها حتى وجدت نفسها تفكر بشكل جاد في كيفية استغلال هذا المال بشكل فعّال، توجهت أفكارها نحو فكرة لاستثمار حقيقي؛ لذا أخذت أم البنين قرارًا قويًا ببناء مسجد، ليظل عملها مستمرًا ومفيدًا بعد رحيلها، وقد كان ما يحركها قول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:" إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ." رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ولذا قررتا توسيع جامع القرويين الذي كان يعاني من صغر حجمه وعدم كفائته للمصلين، فاشترت فاطمة أرضًا وراء المسجد وقامت بتوسيعه وتجديده بأفضل الطرق، وقد تم صرف مبالغ ضخمة على هذا العمل، كما أنه أثناء بناء المسجد الجديد، قامت فاطمة بحفر بئر في الأرض لتوفير المياه لعمال البناء واستخدمت هذه المياه في أعمال البناء أيضًا، وقد كانت تصوم نفلاً خلال فترة البناء تقربًا لله.

ويذكر الدكتورعبد الهادي التازي، في رسالته لنيل الدكتوراه "حفر أساس مسجد القرويين والأخذ في أمر بنائه الأول كان بمطالعة العاهل الإدريسي يحيى الأول، وأن أم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوعت ببنائه وظلت صائمة محتبسة إلى أن انتهت أعمال البناء وصلت في المسجد شكرا لله"

أصبح مسجد القرويين بعد التوسعة يمتد على مساحة تزيد عن 1600 متر مربع وكان يتميز بالبساطة في الزخرفة والتزيين وكان واحدًا من أفضل المساجد في ذلك الوقت.

فاطمة بنت محمد الفهري وجامعة القرويين

تحول جامع القرويين بمرور الوقت إلى أول جامعة في التاريخ الإنساني ! حيث بدأت الدروس العلمية في ساحات المسجد حوالي عام 877، وازداد دور الجامعة في القرون التالية، حيث بدأت تدرس مجموعة واسعة من العلوم مثل الفقه والفلك والرياضيات والأدب.

توسعت الجامعة أيضًا في القرن الرابع عشر خلال حكم الدولة المرينية، وأُنشِئَت مدارس حول جامعة القرويين بعدد يصل إلى حوالي عشرين مدرسة.

أقدم جامعة في العالم

ويؤكد الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني، رحمه الله، في كتابه “:”فاس: عاصمة الأدارسة” أن جامعة القرويين تعد أقدم جامعة في العالم، وقد سبقت الزيتونة بتونس والأزهر بمصر، كما أنها تعد أقدم من جامعات أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنين: فقد تأسست أول جامعة في أوروبا وهي جامعة ساليرن سنة 1050 ميلادية في إيطاليا، ثم أصبحت معروفة بمدرسة نابولي. ثم تأسست جامعة بولونيا للحقوق. ثم جامعة باريس، وقد اعترف بها لويس السابع سنة 1180. ثم تأسست جامعة بادوا سنة1222 م، ثم جامعة أكسفورد عام1249 م، ثم جامعة كمبدرج عام 1284 وجامعة سالامانكا في إسبانيا سنة1243م.

أما جامعة القرويين فهي أسست عام (245هـ=859م) فهي أقدم جامعة ظهرت قبل أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنوات، وجامع الأزهر بناه جوهر المغربي سنة 360هـ، ولم يتخذ معناه الجامعي إلا سنة547هـ، فالقرويين أقدم من الأزهر بـ125 عام، وأقدم من الأزهر جامعة بـ302 عام.

وقد ذكر “دلفان” في كتابه “حول فاس وجامعتها والتعليم العالي بها” المطبوع سنة1889 أن: “فاس هي دار العلم وأن القرويين هي أول مدرسة في الدنيا”
 

فاطمة بنت محمد الفهري والمكتبات

أسست فاطمة بنت محمد الفهري إحدى أقدم المكتبات في العالم، وكانت تابعة لجامع القرويين وضمت مخطوطات أصلية تجاوزت الأربعة آلاف مخطوطة، بما في ذلك نسخ من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.

وفاة فاطمة بنت محمد الفهري

بعد انتهاء بناء جامع القرويين بما يقرب من تسعة عشر عامًا، توفيت فاطمة بنت محمد الفهري في عام 265 هجرية (878 ميلادية)، وقد تركت وراءها إرثًا عظيمًا يذكره الناس حتى يومنا هذا ويترحمون عليها، لقد اختارت القرب من الله فوجدت جوابها في بناء هذا الجامع الذي أصبح من بين أشهر المعالم في تاريخ الإنسانية.