لا شك أن هناك أحداثًا شديدة في الحياة يمكن أن يكون وقعها مدمرًا مثل الموت المفاجئ لأحد أفراد الأسرة، حينها تتزلزل الأرض وتشعري أن عالمك أصبح فوضى وقد غمرك اليأس، ربما تشعرين وكأنكِ محاصرة في كابوس ولا تستطيعي الاستيقاظ، هذا ما يشعر به زوجك حين توفيت والدته، عليكِ أن تفهمي ما يمر به زوجك أولًا؛ لتتمكني من مساعدته بعد ذلك !

ولكن قبل أن نتطرق للموضوع من الناحية النفسية والعلمية البحتة، فعلينا أن نؤكد من الناحية الدينية أنه على الرغم من أن حدث الموت هو أمر جلل، إلا أن الاستعانة بالله يمكن أن تيسر كل أمر ثقيل على النفس، فعن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة» ثم أتبعها بأخرى، فقال: «إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

فمهما كان الحزن شديدًا وثقيلًا على النفس، ربما كان معينًا أن نذكر الله كثيرًا، لأن كثرة ذكر الله تذكرنا بحقيقة هذه الحياة الدنيا الزائلة، وأن ما حدث لوالدته هو أمر سيحدث لنا جميعًا وهي ليست النهاية بل لنا موعد آخر بإذن الله..

لماذا يحطم الموت المفاجئ إحساسنا بالأمان؟

الإنسان بطبيعته يحب أن يشعر دائمًا بأن أحبابه في مأمن من الأذى، نحب أن نفترض أن الحوادث والأمراض سوف يتم تجاوزها؛ لذلك عندما تقع المأساة فجأة، فإننا نصاب بالصدمة.. ويهتز كياننا كله، الموت المفاجئ يهزنا حتى النخاع؛ لأننا نعلم أن الحياة لن تستمر كما هي أبدًا. 

المراحل الخمس للحزن

حدد "كوبلر روس" خمس مراحل من الحزن لتوفير إطار عمل لمعالجة هذه المشاعر، لكن على الرغم من أن هذه المراحل ليست ضرورية الحدوث كلها، ولا تحدث بشكل متزامن، إلا أنها يمكن أن تكون مفيدة كدليل ارشادي لفهم ما يمر به زوجك.

1. الإنكار

بداية يشعر زوجك بالصدمة وعدم التصديق، يجب حينها محاولة وضعه في إطار التركيز على الحقائق أو الاستمرار في فعل أي شيء لتأخير الشعور بالألم واليأس الذي سببه له فقدان غاليته.

2. الغضب

ربما يشعر بالغضب، وربما يوجه غضبه إلى الأطباء أو الأصدقاء أو إليكِ، ولكن عندما يتحول الغضب إلى اللوم، فإنه لا يحقق سوى القليل من الراحة، ومع تراجع اللوم يعود الألم.

كما يؤدي الغضب أيضًا إلى أزمة الإيمان، الاعتراض على القضاء والقدر، أو قد يشعر بالغضب من أمه لأنها تركته !

3. المساومة

في محاولة لتخفيف آلام خسارته، ربما سيحاول المساومة، فمثلًا ربما يقوم بإجراء تغييرات أو وعود مفاجئة، مثل "سأصبح شخصًا أفضل" أو "سأكرم ذكراها بتغيير طريقة حياتي" لكن مثل هذه الوعود التي يحركها الحزن يصعب الوفاء بها، لكن بشكل عام تساعد المساومة على تخفيف الغضب وهي محاولتك الأولى للتعامل مع الخسارة.

4. الاكتئاب

بعد مرورك بمرحلة الإنكار والغضب والمساومة، يغوص في الحقيقة المؤلمة للوضع، فيدفع ذلك إلى الاكتئاب حتى ينهار تحت ثقله، كل شيء يبدو بلا معنى، الإرهاق يصيبه، قد يلجأ إلى عادات التدمير الذاتي مثل الإفراط في تناول الطعام أو النوم أو العزلة.

5. القبول

يبدأ في قبول واقعه الجديد، أصبح يدرك أنه على الرغم من أن كل شيء قد تغير، إلا أنه يجب عليه الاستمرار في الحياة، يبدأ في العثور على لحظات من السلام الداخلي، ربما يشعر بالراحة في الذكريات، بدلاً من الشعور بالاكتئاب أو الأذى بسببها، قد يحلم بمن يحب أو يتحدث معه في عقله، ثم يبدأ في البحث عن علاقات جديدة.

كيف تساعدي زوجك خلال الحزن

حين يعاني زوجك من الحزن، فقد يكون من الصعب جدًا مشاهدته يعاني ويصعب معرفة ما يمكنكِ فعله لمساعدته، خاصة إذا كنتِ تشعرين بالحزن أيضًا، وربما يعاني من مجموعة متنوعة من الأعراض الجسدية أيضًا، تشمل الغثيان، وصعوبة النوم، والإرهاق، والصداع، وألم في الصدر، ومشاكل في الجهاز الهضمي.

على الرغم من أنكِ لا تستطيعين انهاء آلامه، إلا أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكنكِ القيام بها لـ دعم زوجك أثناء الحزن، لكن في كثير من الأحيان، ليس ما تقوليه للأشخاص الذين يعانون من الحزن هو ما يوفر لهم أكبر قدر من الراحة والدعم، بل الأشياء التي تفعليها.

أفضل شيء يمكنكِ القيام به لزوجك إذا كان حزينًا هو قبول مشاعره والتواجد بجانبه، والجلوس بصمت عندما يرغب في الهدوء، وأن تكوني مستمعة عطوفة ومهتمة عندما يريد التحدث.

تعزية من القلب

وقبل أن نتطرق إلى الخطوات دعيني اخبرك بتعزية رحيمة ربما تغير من منظورك للحياة، هل هناك أعظم مصيبة على المسلمين من وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانقطاع الوحي الحكيم ؟! ورغم ذلك بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسم- أدرك الصحابة أن عليهم استكمال الحياة بسنة النبي الكريم ونشر دينه، تملكهم الحزن حتى خنقتهم العَبرة  وبكوا، ولكن الحياة استمر السعي فيها لأداء حق الله ورسوله فيها.. فيا زوجي الحبيب لا يوجد أغلى على الرجل من أمه ولكنها تعبت فيك وربتك على حسن الخلق والدين، وحان دورك لتستمر في السعي وتملأ مزيان حسناتها بأعمالك الصالحة، وتبقى على العهد حتى يجتمع الأحبة في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..

• تذكري أنكِ موجودة للدعم وليس الإصلاح

الحزن هو استجابة طبيعية لتجربة مؤلمة، قد يكون أمرًا مزعجًا للغاية أن تشاهدي زوجك يمر بالحزن، ولكن بقدر ما ترغبي في إزالة الألم عنه، فمن المهم أن تتذكري أن الحزن ليس شيئًا يمكن "إصلاحه"، لكن يجب أن نسمح للحزن أن يأخذ مجراه الطبيعي.

يأتي دورك في مساعدة زوجك خلال الحزن هو توفير الحب والرحمة والصبر والدعم طوال الوقت.

• لا تحكمي عليه

بغض النظر عن الطريقة التي يشعر بها زوجك بالحزن، فمن المهم ألا تحكمي على مشاعره أو أفعاله أو تقارنيها بتجارب آخرين، حيث يتعامل كل شخص مع الحزن بشكل مختلف، والطريقة التي يتفاعل بها الشخص من الخارج قد لا تعكس ما يشعر به من الداخل، كما قد يفضل بعض الأشخاص الخصوصية أثناء فترة حزنهم ولا يرغبون في رؤية أي شخص، وقد يرغب آخرون في إحاطة أنفسهم بالأصدقاء والعائلة للحصول على الدعم أو الانهماك في عملهم للحصول على شعور بالحياة الطبيعية.

من المهم أن تتذكري أن الحزن ليس له مخططًا محددًا، قد يمر زوجك بأيام أو أسابيع جيدة تليها أيام سيئة، وقد يكون الحزن غير متوقع وهذا أمر طبيعي تمامًا.

• استمعي له

في بعض الأحيان قد يكون من المفيد للشخص الحزين التحدث إلى شخص ما والتعبير عما يشعر به، فالتحدث عن الأشياء يمكن أن يساعده على معالجة ما يمر به ويخفف بعض التوتر.

كوني على دراية بأنه لا ينبغي أن يكون هناك أي ضغط على زوجك للتحدث عما يشعر به حتى يصبح مستعدًا للقيام بذلك، فإذا لم يشعر بالرغبة في التحدث، فإن مجرد الجلوس معه بهدوء وإخباره أنكِ موجودة عندما يريد التحدث يمكن أن يكون دعمًا كافيًا.

• قللي الضغط عنه

يمكن أن يكون الحزن مُستهلكًا بالكامل، خاصة خلال الأيام الأولى، فإذا كان زوجك حزينًا، فقد يجد المهام اليومية الأساسية صعبة أو مرهقة، لذا قد يكون من المفيد تخفيف أكبر قدر ممكن من الضغط عليه عن طريق القيام بالمزيد من المهمات عنه.

• تقبلي مشاعره

يمكن أن يكون الحزن عملية عاطفية ومؤلمة للغاية تبرز مشاعر وسلوكيات متطرفة، وكلها ردود فعل طبيعية لفقدان شخص ما، دعي زوجك يعرف أنكِ تتقبلين مشاعره وتجنبي التقليل من آلامه أو إخباره بما يجب أن يشعر به أو يتصرف.

ماذا أقول (وما لا أقول) لشخص حزين

إذا كان زوجك حزينًا، فقد يكون من الصعب معرفة ما ستقولينه له، ومن الشائع أن تواجهي صعوبة في العثور على كلمات التعزية، وأن تشعري بالحرج في بعض الأحيان، وأن تقلقي بشأن قول الشيء "الخاطئ".

فقط تذكري أنه لا يوجد شيء يمكنكِ قوله لإصلاح ما يشعر به زوجك، وأفضل شيء يمكنكِ القيام به هو أن تكوني موجودة للاستماع إليه عندما يريد التحدث ودعمه بأفضل ما يمكنك خلال الأوقات الصعبة.

وفيما يلي بعض ما يجب فعله وما لا يجب فعله عند التحدث إلى زوجك الحزين.

• دعيه يعرف أنكِ هنا من أجله

إن مجرد وجودك من أجله وكونك مستعدة للاستماع إليه عندما يريد التحدث يمكن أن يكون بمثابة راحة كبيرة له، حتى إذا كنتِ لا تعرفين ماذا تقولي، فكوني صادقة وأخبريه بذلك.

• تحدثي عن والدته

على الرغم من أن الأمر قد يبدو غير مريحًا في البداية وقد تقلقي بشأن إزعاج زوجك أكثر بالحديث عن والدته، فلا تتجنبي التحدث عنها أو تغيير الموضوع إذا جاءت في المحادثة.

يجد بعض الأشخاص أن التحدث عن الشخص الذي فقدوه يمكن أن يساعدهم على تقبل الأمر وتجاوزه، لكن من الأفضل أن تأخذي زمام المبادرة من زوجك فيما يتعلق بموعد ومدى رغبته في التحدث عن والدته.

• لا تتظاهري بفهم ما يشعر به

حتى لو كنتِ حزينة أيضًا أو مررتي بالحزن في الماضي، فكل شخص مختلف، وكذلك الطريقة التي يواجه بها الحزن.

• لا تعطي نصيحة غير مرغوب فيها

قد يكون تقديم النصيحة حول ما يجب أو لا ينبغي أن يفعله أو يشعر به الشخص الذي يعاني من الحزن أمرًا حسن النية، ولكنه غالبًا ما يؤدي إلى جعل الشخص يشعر بالسوء.

بدلًا من ذلك، تحلى بالصبر وامنحي زوجك وقتًا للحزن والتغلب على مشاعره والعثور على طريقه، بدعم منك، ولكن بشروطه الخاصة.

• لا تقللي من آلامه

قد تشعري وكأنكِ تساعدي من خلال محاولة إضفاء لمسة إيجابية على الأشياء باستخدام عبارات مبتذلة مثل "على الأقل لم يعد يشعر بالألم بعد الآن"، ولكن في كثير من الأحيان، يريد الشخص الحزين فقط أن يسمع موافقتك على أن الأمور على ما يرام وليس تقليلًا مما جرى !