هل قلة دم الدورة يدل على ضعف التبويض ويؤخر الحمل
تُعد الدورة الشهرية بمثابة نافذة على صحة المرأة الإنجابية، والتغيرات فيها قد تُثير الكثير من التساؤلات، خاصةً لدى النساء اللاتي يُخططن للحمل، ومن أبرز هذه التساؤلات هو علاقة قلة دم الدورة بالخصوبة، وهل قلة دم الدورة يدل على ضعف التبويض أو تأخر الحمل؟
هذا المقال الشامل يُقدم لكِ ملكتي إجابات واضحة ومدعومة علميًا حول أسباب قلة دم الدورة، وعلاقتها بالتبويض، وتأثيرها المحتمل على فرص الحمل، بالإضافة إلى نصائح هامة ومتى يجب عليكِ استشارة الطبيبة.
ما هو المعدل الطبيعي لنزيف الدورة الشهرية؟

قبل الخوض في أسباب قلة دم الدورة وتأثيرها، من المهم أن نفهم كيف تُعتبر الدورة الشهرية "طبيعية"؛ الدورة الشهرية هي عملية معقدة تتضمن تفاعلات هرمونية تُؤدي إلى نمو بطانة الرحم استعدادًا للحمل، وفي حال عدم حدوثه، تنزف هذه البطانة، وهذا هو نزيف الحيض.
خصائص الدورة الشهرية الطبيعية
- المدة: تتراوح عادةً بين 21 و 35 يومًا (من اليوم الأول للدورة إلى اليوم الأول للدورة التالية).
- فترة النزيف: تستمر عادةً بين 2 و7 أيام.
- كمية النزيف: تُقدر بكمية تتراوح بين 5 إلى 80 مليلتر (حوالي 1 إلى 5 ملاعق كبيرة)، قد يكون من الصعب قياس هذه الكمية بدقة، لكن بشكل عام، إذا كنتِ تُغيرين الفوط الصحية أو السدادات القطنية كل 3-4 ساعات في الأيام الأولى، فهذا يُعد طبيعيًا.
- قلة دم الدورة (Hypomenorrhea): تُعرف بـ "نقص الطمث"، وهي حالة يكون فيها النزيف أخف من المعتاد أو أقصر في المدة (أقل من يومين).
هل قلة دم الدورة يدل على ضعف التبويض؟
السؤال المحوري الذي يُقلق الكثيرات هو: هل قلة دم الدورة يدل على ضعف التبويض؟ الإجابة ليست دائمًا مباشرة؛ ففي بعض الحالات، قد تكون قلة دم الدورة علامة على مشكلة في التبويض، بينما في حالات أخرى، قد تكون طبيعية تمامًا ولا تُؤثر على الخصوبة، ويتمثل الارتباط المحتمل بين قلة دم الدورة وضعف التبويض في:
1) عدم انتظام التبويض أو غيابه (Anovulation)
عندما لا يحدث تبويض منتظم، فإن الجسم لا يُنتج كمية كافية من هرمون البروجستيرون بعد التبويض، والبروجستيرون هو الهرمون المسؤول عن تثبيت بطانة الرحم وجعلها سميكة وغنية بالأوعية الدموية، إذا كانت مستوياته منخفضة، فقد لا تتطور بطانة الرحم بشكل كامل، مما يُؤدي إلى نزيف خفيف عند تساقطها، وفي هذه الحالة، قلة دم الدورة يدل على ضعف التبويض أو غيابه.
2) خلل هرموني
أي خلل في الهرمونات التي تُنظم الدورة الشهرية (مثل الإستروجين والبروجستيرون وهرمونات الغدة الدرقية) يمكن أن يُؤثر على جودة التبويض وسمك بطانة الرحم، مثل:
- انخفاض مستوى الإستروجين: الإستروجين هو المسؤول عن بناء بطانة الرحم في النصف الأول من الدورة، وانخفاضه يُؤدي إلى بطانة رحم رقيقة ونزيف خفيف.
- انخفاض مستوى البروجستيرون: بعد التبويض، يُساعد البروجستيرون على الحفاظ على سمك بطانة الرحم، ونقصه قد يُؤدي إلى تساقط مبكر لبطانة الرحم أو نزيف خفيف.
- متلازمة تكيس المبايض (PCOS): تُعد متلازمة تكيس المبايض سببًا شائعًا لعدم انتظام الدورة الشهرية أو غيابها، أو حتى قلة دم الدورة، وغالبًا لا يحدث تبويض منتظم، مما يُؤثر على مستويات الهرمونات ويُؤدي إلى نزيف خفيف أو متقطع، وهنا يمكن اعتبار أن قلة دم الدورة يدل على ضعف التبويض المرتبط بمتلازمة تكيس المبايض.
- مشاكل الغدة الدرقية: سواء كانت الغدة الدرقية مفرطة النشاط أو خاملة، فإن اختلال هرموناتها يُمكن أن يُؤثر على الدورة الشهرية، بما في ذلك كمية النزيف والتبويض.
متى لا تُشير قلة دم الدورة بالضرورة إلى ضعف التبويض؟

في المقابل، هناك حالات لا تُشير فيها قلة دم الدورة إلى ضعف التبويض بالضرورة، مثل:
- استخدام حبوب منع الحمل الهرمونية: حبوب منع الحمل تُقلل من سمك بطانة الرحم لتقليل النزيف، وهذا هو أحد طرق عملها؛ لذا، إذا كنتِ تستخدمين موانع الحمل الهرمونية، فقلة دم الدورة أمر طبيعي ولا يعني ضعف التبويض (لأن التبويض يكون موقوفًا بفعل الحبوب).
- نزيف الانغراس (Implantation Bleeding): في بعض الأحيان، قد تُلاحظ المرأة نزيفًا خفيفًا جدًا أو بقع دم وردية أو بنية اللون بعد حوالي 6-12 يومًا من الإباضة، وهذا قد يكون علامة على انغراس البويضة المخصبة في بطانة الرحم بنجاح! ويُمكن أن يُشبه الدورة الخفيفة جدًا، وفي هذه الحالة، قلة دم الدورة ليست علامة على ضعف التبويض، بل قد تكون علامة على حدوث الحمل!
- العمر: في السنوات الأولى بعد بدء الدورة الشهرية (المراهقة)، تكون الدورات غير منتظمة وكمية النزيف قد تكون خفيفة، أيضًا مع اقتراب سن الأمل (فترة ما قبل انقطاع الطمث)، تُصبح الدورات أخف وأقل انتظامًا بسبب التقلبات الهرمونية الطبيعية.
- النحافة الشديدة أو فقدان الوزن السريع: نقصان الدهون في الجسم يُمكن أن يُؤثر على إنتاج الهرمونات ويُؤدي إلى دورات خفيفة أو غيابها تمامًا.
- التمارين الرياضية المفرطة: ممارسة الرياضة الشديدة جدًا خاصةً لدى الرياضيات، يمكن أن تُؤثر على التوازن الهرموني وتُسبب دورات خفيفة أو غياب الدورة.
- التوتر والإجهاد: الإجهاد الشديد يُمكن أن يُؤثر على الهرمونات التي تُنظم الدورة الشهرية، مما قد يُؤدي إلى دورات خفيفة أو متأخرة.
- متلازمة آشرمان (Asherman's Syndrome): وهي حالة نادرة تُسبب تندبًا أو التصاقات داخل الرحم، غالبًا نتيجة لعمليات جراحية سابقة في الرحم (مثل الكشط)، هذه الالتصاقات تُقلل من مساحة بطانة الرحم التي يُمكن أن تنزف، مما يُؤدي إلى نزول دورات خفيفة جدًا وتُؤثر بشكل كبير على الخصوبة والانغراس.
تأثير قلة دم الدورة على الحمل وتأخر الحمل
إذا كانت قلة دم الدورة ناتجة عن عدم انتظام التبويض أو بطانة رحم رقيقة، فإنها يمكن أن تُؤثر بالفعل على فرص الحمل.
- مشاكل التبويض: إذا كانت قلة دم الدورة تُشير إلى عدم انتظام التبويض أو غيابه، فهذا يعني أن الجسم لا يُطلق بويضة بانتظام، وهو أمر ضروري للحمل الطبيعي.
- بطانة الرحم الرقيقة: تُعد بطانة الرحم الصحية والسميكة (بحد أدنى 7-8 ملم عند التبويض) ضرورية لانغراس البويضة المخصبة، فإذا كانت البطانة رقيقة جدًا (خاصةً أقل من 6 ملم)، فقد تجد البويضة المخصبة صعوبة في الانغراس أو قد لا تستطيع البقاء، مما يُؤدي إلى صعوبة في الحمل أو زيادة خطر الإجهاض المبكر، وقد يكون هذا مؤشرًا على بطانة رحم غير صحية للتبويض والانغراس.
- أسباب البطانة الرقيقة: انخفاض الإستروجين، ضعف تدفق الدم إلى الرحم، استخدام طويل الأمد لبعض حبوب منع الحمل، أو التلف الناتج عن جراحات سابقة في الرحم (مثل الكشط المتكرر).
- عدم التوازن الهرموني: أي خلل هرموني يُؤثر على الدورة الشهرية يمكن أن يُؤثر أيضًا على الخصوبة، حتى لو كان التبويض يحدث، فالتوازن الهرموني الدقيق ضروري لجميع مراحل الحمل، من التبويض وحتى تثبيت الحمل.
متى يجب استشارة الطبيبة؟

إذا كنتِ تُخططين للحمل وتُعانين من قلة دم الدورة، أو لاحظتِ أي تغييرات غير معتادة في دورتكِ الشهرية، فمن الضروري استشارة الطبيبة، لا تحاولي تشخيص حالتكِ بنفسكِ، وهذه هي العلامات التي تستدعي زيارة الطبيبة:
- إذا كانت دوراتكِ الشهرية خفيفة جدًا أو قصيرة جدًا (أقل من يومين) بشكل مستمر.
- إذا كانت دوراتكِ غير منتظمة للغاية أو تغيب تمامًا.
- إذا كنتِ تُعانين من أعراض أخرى تُشير إلى خلل هرموني (مثل حب الشباب الشديد، نمو الشعر الزائد، تقلبات المزاج الشديدة).
- إذا كنتِ تُحاولين الحمل لأكثر من عام (أو 6 أشهر إذا كان عمركِ 35 عامًا أو أكثر) ولم يحدث حمل، وتعتقدين أن قلة دم الدورة يدل على ضعف التبويض لديكِ.
- إذا كنتِ تُعانين من آلام شديدة أثناء الدورة الشهرية على الرغم من قلة النزيف.
- إذا كنتِ تشكين في الحمل وترين نزيفًا خفيفًا.
ستقوم الطبيبة بفحص شامل، وقد يشمل ذلك:
- أخذ تاريخ طبي مفصل: عن دورتكِ الشهرية، تاريخكِ الصحي، الأدوية التي تتناولينها، ونمط حياتكِ.
- الفحص البدني: بما في ذلك فحص الحوض.
- اختبارات الدم الهرمونية: لقياس مستويات الإستروجين، البروجستيرون، هرمون الغدة الدرقية، البرولاكتين، وغيرها لتقييم وظيفة المبيض والتبويض.
- اختبارات التبويض: لمراقبة التبويض والتأكد من حدوثه.
- الموجات فوق الصوتية (السونار): لتقييم صحة الرحم والمبايض، بما في ذلك سمك بطانة الرحم، ووجود أي كيسات أو ألياف.
نصائح لتحسين الخصوبة وزيادة فرص الحمل
بصرف النظر عن سبب قلة دم الدورة، هناك خطوات عامة يمكنكِ اتخاذها لتحسين صحتكِ الإنجابية وزيادة فرص الحمل، مثل:
- حافظي على وزن صحي: الوزن الزائد أو النقص الشديد في الوزن يمكن أن يُؤثر على التوازن الهرموني.
- نظام غذائي متوازن: غني بالخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، البروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية.
- إدارة التوتر: التوتر المزمن يُمكن أن يُؤثر سلبًا على الدورة الشهرية والخصوبة، لذلك مارسي تقنيات الاسترخاء مثل التأمل أو المشي.
- ممارسة الرياضة باعتدال: النشاط البدني المنتظم جيد للصحة العامة، لكن الإفراط فيه يمكن أن يُؤثر على الدورة الشهرية.
- تناول حمض الفوليك: يُنصح بتناول مكمل حمض الفوليك (400 ميكروجرام يوميًا) قبل الحمل بثلاثة أشهر على الأقل للوقاية من عيوب الأنبوب العصبي للجنين.
- تتبع التبويض: استخدمي اختبارات التبويض المنزلية وقومي بمراقبة درجة حرارة الجسم القاعدية ومخاط عنق الرحم لتحديد نافذة الخصوبة لديكِ، حتى لو كانت الدورة خفيفة، إن معرفة موعد التبويض يُمكن أن يُساعدكِ في تحديد توقيت الجماع المثالي لحدوث الحمل.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم: النوم الجيد ضروري للتوازن الهرموني.
الملخص
لا تُعد قلة دم الدورة بالضرورة علامة على العقم، ولكنها قد تكون مؤشرًا على وجود مشكلة كامنة تستدعي الانتباه، خاصةً إذا كنتِ تُخططين للحمل.
إذا كانت قلة دم الدورة مصحوبة بعدم انتظام التبويض أو بطانة رحم رقيقة، فإنها يمكن أن تُؤثر على قدرتكِ على الحمل، لكن من المهم عدم تجاهل هذه العلامة.
استشيري طبيبتكِ لتقوم بالتقييم اللازم وتحدد السبب وراء قلة دم الدورة، فالتشخيص المبكر والعلاج المناسب يُمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في رحلتكِ نحو الأمومة، وتذكري، أن صحتكِ الإنجابية تستحق كل الاهتمام، ولا تترددي في طلب المساعدة الطبية لتحقيق حلم الحمل بإذن الله!