هل مشروبات الطاقة للحامل حل سحري أم فخ خطير؟

بين غثيان الحمل والتقلبات المزاجية، وبين التعب الذي لا يرحم، قد تجدين نفسك تتوقين لشيء ينعشك ويعيد إليكِ نشاطك، وهنا قد تهمسين لنفسك: "هل يمكن أن أتناول مشروبات الطاقة؟"

ففكرة الحصول على دفعة سريعة من الطاقة تبدو مغرية، خاصة عندما تنهال عليكِ مسؤوليات الحمل والبيت وربما الأطفال الآخرين.

لكن توقفي لحظة واسألي نفسك: هل مشروبات الطاقة للحامل آمنة فعلاً؟

في هذا المقال، نأخذك في رحلة لفهم الحقيقة الكاملة: ما بين الفوائد الظاهرة والمخاطر الخفية، وما يجب أن تعرفيه قبل أن تفتحي العلبة وتحتسي الرشفة الأولى.

مشروبات الطاقة للحامل .. هل هي بحاجة لها ؟

تقول شيماء : " كنت أعلم أنني حامل بطفلي الثالث حتى قبل أن أجري اختبار الحمل، وذلك بسبب عرض واحد كان واضحًا لي تمامًا: الإرهاق الساحق ! "

وتكمل : " كنت مستلقية على الأريكة بجوار طفلي الصغير، وأخبرت زوجي بأنني لا أصدق مدى التعب الذي أشعر به، وفجأة ومثل وميض البرق، تذكرت أن آخر مرة شعرت فيها بهذا النوع من الإرهاق، كنت حاملًا بالطفل نفسه الذي كان ينثر فتات البسكويت في حجري بينما يشاهد "كارتون الأطفال"."

وبما أن الإرهاق الشديد يُعد من الأعراض الشائعة خلال الحمل، قد تجدين نفسك تتساءلين : مشروبات الطاقة للحامل .. هل هي آمنة ؟

فإذا كان هناك من تحتاج إلى دفعة طاقة، فبلا شك هي الأم الحامل، أليس كذلك؟

لكن للأسف، وعلى الرغم من الإحساس بالإغراء، فإن معظم مشروبات الطاقة للحامل ليست الخيار الأمثل.

لماذا؟

لأنها غالبًا ما تحتوي على نسب عالية من الكافيين، وهو ما قد لا يكون آمنًا للجنين، إلى جانب كميات كبيرة من السكر المعالج، وأحيانًا مكونات عشبية قد لا تكون مناسبة للحمل على الإطلاق.

مخاطر مشروبات الطاقة للحامل

أثناء الحمل، ينمو عضو بالغ الأهمية داخل رحمك يُعرف بالمشيمة، وهو المسؤول عن إيصال الغذاء والأوكسجين إلى جنينك عبر الحبل السري.

كل ما تتناولينه من طعام وشراب لا يؤثر على جسدك فقط، بل يصل أيضًا إلى طفلكِ النامي... وهذا يشمل مكونات مشروبات الطاقة مثل ريد بول وغيره!

هل تنتقل مكونات مشروبات الطاقة إلى الجنين؟

نعم، بكل وضوح.

فالمغذيات والعناصر الكيميائية في مشروبات الطاقة — كالكافيين والمنشطات الأخرى — تعبر المشيمة وتصل إلى الجنين، وهذا يعني أن جنينك يتأثر مباشرة بما تشربين، بما في ذلك المواد التي لا تزال قيد الدراسة أو غير مفهومة تمامًا.

لماذا مشروبات الطاقة للحامل ليست الخيار الأمثل ؟

في عالم مشروبات الطاقة، لا توجد تركيبة ثابتة؛ فكل شركة تُنتج مزيجًا خاصًا بها، وغالبًا ما يحتوي على "خليط طاقة" يجمع بين عدة مكونات منبهة ومنشطة ومُحليات ومواد عشبية ومكملات غذائية.

وهنا تكمن المشكلة: من الصعب جدًا تحديد أي مكوّن هو المسؤول عن الأعراض السلبية، وخصوصًا عندما تكون الحامل أكثر حساسية لتغيرات الجسم والتفاعلات الكيميائية.

ولهذا السبب، قراءة الملصق الغذائي على أي مشروب (حتى غير الطاقة!) تعتبر عادة ضرورية، لكن خلال الحمل؟ تصبح ضرورية جدًا.

إليكِ أشهر المكونات الموجودة في مشروبات الطاقة، ولماذا يُنصح بتجنبها خلال الحمل:

1. الكافيين

الكافيين هو العنصر الأساسي في معظم مشروبات الطاقة، وهو المسؤول عن "دفعة النشاط المؤقتة"، لكن الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد (ACOG) توصي بألا تتجاوز الحامل 200 ملغ من الكافيين يوميًا.

هذا يعادل تقريبًا فنجان قهوة منزلي (حوالي 355 مل).

لكن عبوة واحدة من مشروب طاقة بحجم 473 مل (16 أونصة) قد تحتوي على ما بين 70 و240 ملغ من الكافيين!

هذا يعني أن عبوة واحدة فقط قد تتجاوز الحد الآمن تمامًا، ما يعرّضكِ لخطر:

• الإجهاض في الثلث الأول
• الولادة المبكرة
• انخفاض وزن الجنين
• تسارع دقات قلبكِ أو قلب الجنين

2. المحليات الصناعية

هي بدائل للسكر تحتوي على سعرات حرارية قليلة أو منعدمة.

وتشمل:

• أسبارتام (Equal)
• ساكارين (Sweet'n Low)
• ستيفيا (Truvia)
• سوكرالوز (Splenda)

بشكل عام، يعتبر الأطباء هذه المحليات آمنة بجرعات معتدلة خلال الحمل.

لكن الساكارين تحديدًا يجب تجنبه تمامًا، لأنه: مصنّف كـ مادة مسرطنة، ويعبر المشيمة، ما يعني أن الجنين يتعرض له أيضًا.

3. السكر العادي

تحتوي مشروبات الطاقة عادةً على كميات هائلة من السكر، أحيانًا أكثر من المشروبات الغازية!

وهذا يمثل خطرًا كبيرًا على الحوامل، خاصة إذا كانت:

• تعاني من سكري الحمل
• أو عرضة للإصابة به بسبب تاريخ عائلي أو زيادة في الوزن

السكر يرفع مستوى الجلوكوز في الدم بسرعة، ما قد يسبب مشاكل مثل:

• تقلبات مزاجية
• ارتفاع ضغط الدم
• زيادة حجم الجنين
• ولادة قيصرية أو مبكرة

4. التورين (Taurine)

هو حمض أميني موجود بشكل طبيعي في اللحوم والألبان، ويدعم وظائف الأعصاب، عند استهلاكه من مصادر غذائية طبيعية، لا مشكلة فيه.

لكن عند تناوله كمكمّل غذائي داخل مشروبات الطاقة؟

لا توجد معلومات كافية عن أمانه خلال الحمل، والأمر يصبح أكثر تعقيدًا عند خلطه بالكافيين ومكونات أخرى.

5. الجينسنغ (Ginseng)

نبتة عشبية تُستخدم كمكمل لزيادة النشاط والتركيز. لكنها خلال الحمل غير آمنة.

تشير الدراسات على الحيوانات إلى احتمال:

• حدوث تشوهات خلقية
• اضطراب النمو العصبي

وتشمل أعراضها الجانبية أيضًا:

• صداع
• ألم في الثدي
• أرق
• مشاكل هضمية
• اضطرابات في الدورة الشهرية

6. الجوارانا (Guarana)

هي نبتة تحتوي على أربعة أضعاف كمية الكافيين الموجودة في حبوب القهوة! ولهذا السبب تُستخدم بكثرة في مشروبات الطاقة كمصدر "طبيعي" للكافيين.

لكن هذا "الطبيعي" لا يعني أنه آمن… فالجوارانا تسبب زيادة مفرطة في الكافيين، وهو ما يجب على الحامل تجنبه تمامًا.

7. الجنكة بيلوبا (Ginkgo biloba)

نبات عشبي آخر يُضاف أحيانًا لمشروبات الطاقة لتحسين الذاكرة أو الدورة الدموية.

لكن في الواقع، قد يسبب:

• حساسية جلدية
• ألم في المعدة
• صداع مستمر

ولا توجد دراسات كافية عن أمانه خلال الحمل، مما يجعل الابتعاد عنه الخيار الأفضل.

8. إل-كارنيتين (L-Carnitine)

هو مكمل غذائي شائع لدعم الطاقة وحرق الدهون، لكن الجرعات العالية منه (أكثر من 3 جرام يوميًا) قد تسبب:

• مغص بطني شديد
• إسهال
• رائحة جسم تشبه السمك!
• غثيان وقيء

وخلال الحمل، لا توجد معلومات كافية عن أمانه، ولهذا يوصى بتجنبه.

أبرز المخاطر المرتبطة بمشروبات الطاقة أثناء الحمل

• الإجهاد التأكسدي والقلق

في دراسة أُجريت على الحيوانات، تم إعطاؤها جرعة صغيرة يومية من مشروبات الطاقة خلال الحمل، وُجد أن:

• صغارها وُلدوا وهم يعانون من إجهاد تأكسدي (ضرر على الخلايا بسبب الجذور الحرة).
• وُجد أيضًا تلف في بعض الأنسجة.
• كما لاحظ الباحثون زيادة في مستويات القلق والتوتر لدى الحيوانات المولودة.

ورغم أن هذه الدراسات أُجريت على الحيوانات، إلا أن الباحثين حذروا من أن النتائج قد تنطبق على البشر أيضًا، خاصة أن تأثير الكافيين والمنشطات على الأجنة معروف.

• ارتفاع مستويات الكافيين ومخاطر الإجهاض

الكافيين هو المكون الرئيسي في معظم مشروبات الطاقة، وتحتوي بعضها على ما يعادل أو يزيد عن 3 أضعاف ما يوجد في كوب قهوة واحد.

الخبراء ينصحون بألا تتجاوز الحامل 200 ملغ من الكافيين يوميًا.

لكن بعض عبوات مشروبات الطاقة تحتوي على:

250 إلى 300 ملغ كافيين في العبوة الواحدة!

ما يجعلها تتجاوز الحدّ المسموح به من أول رشفة.

وقد أظهرت دراسات أن تناول كميات عالية من الكافيين أثناء الحمل قد يرفع من خطر حدوث الإجهاض أو الولادة المبكرة.

• مخاطر على القلب والأوعية الدموية

الدراسات الحديثة تشير إلى أن مشروبات الطاقة قد تسبب:

• زيادة ضغط الدم الانقباضي (وهو الرقم الأعلى في قياس الضغط).
• تسارع ضربات القلب بعد فترة قصيرة من تناولها.

في مراجعة علمية نُشرت عام 2015، تم رصد أكثر من 50% من الأعراض الجانبية لمشروبات الطاقة، وكانت مرتبطة بالقلب والدورة الدموية.

ورغم أن هذه الدراسات لم تُجرَ على نساء حوامل، إلا أن أي استجابة قلبية مفرطة — مثل تسارع النبض أو اضطراب الضغط — تُعتبر مقلقة جدًا أثناء الحمل، لأنها قد تؤثر على تدفق الدم إلى المشيمة والجنين.

لذا رغم المغريات والإعلانات الجذابة، مشروبات الطاقة للحامل ليست خيارًا آمنًا، والسبب لا يقتصر على الكافيين فحسب، بل يشمل تركيبتها الكاملة التي: لا نعرف تأثيرها الكامل على الجنين، ولا تخضع لرقابة دوائية دقيقة، وقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة على الأم والطفل.

ما البدائل الآمنة لمشروبات الطاقة أثناء الحمل؟

إذا كنتِ تشعرين بالتعب والإرهاق وتحتاجين إلى دفعة من النشاط، فإليكِ بعض البدائل الآمنة:

• الماء المنقوع بالفواكه الطازجة: مثل شرائح الليمون أو النعناع أو التوت.
• عصير طبيعي من الفواكه الغنية بالحديد وفيتامين C مثل البرتقال أو الرمان.
• وجبة خفيفة متوازنة تحتوي على الكربوهيدرات المعقدة والبروتين، مثل تفاحة مع زبدة الفول السوداني.
• تمارين التنفس العميق أو المشي الخفيف: تحفّز الدورة الدموية وتزيد نشاطك طبيعيًا.
• قيلولة قصيرة (20-30 دقيقة) كافية لإعادة شحن طاقتك.

هل يمكن شرب مشروبات الطاقة أثناء الرضاعة الطبيعية؟

بعد الولادة، تدخل الأم في مرحلة لا تقل تحديًا عن الحمل نفسه، وهي مرحلة الرضاعة الطبيعية، التي تتطلب منها طاقة وجهدًا جسديًا ونفسيًا كبيرًا، ومع قلة النوم والإرهاق المستمر، قد تميل كثير من الأمهات للبحث عن وسائل لاستعادة النشاط... وهنا يظهر السؤال الشائع: هل يمكن شرب مشروبات الطاقة أثناء الرضاعة؟

هل ينتقل إلى حليب الأم؟

بحسب الدكتور "غريغ مارشاند"، أخصائي أمراض النساء والتوليد، فإن كمية الكافيين التي تنتقل إلى الرضيع عبر حليب الأم تكون ضئيلة جدًا، ولا تُقارن إطلاقًا بتأثير الكافيين على الجنين أثناء الحمل.

ففي فترة الحمل، كل ما تتناولينه يصل مباشرة إلى الجنين عن طريق المشيمة، ما يجعل التأثير مباشرًا وقويًا، أما أثناء الرضاعة، فيمر الكافيين عبر عملية تمثيل معقدة قبل أن يظهر بنسبة بسيطة جدًا في الحليب.

ما الحدّ الآمن من الكافيين للمرضعات؟

تشير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) إلى أن تناول الكافيين بحدود 300 ملليغرام يوميًا يعتبر آمنًا للأمهات المرضعات.

كم تعني 300 ملغ كافيين عمليًا؟

• كوب قهوة عادي: 95-120 ملغ
• عبوة مشروب طاقة: 80-160 ملغ (وقد تزيد حسب النوع)
• كوب شاي: 30-50 ملغ
• شوكولاتة داكنة (100غ): حوالي 40 ملغ

متى يصبح الكافيين مشكلة؟

رغم أن الكافيين قد لا يضرّ الطفل مباشرة في هذه الكميات، إلا أن بعض الأطفال يكونون أكثر حساسية للكافيين من غيرهم، خصوصًا في الشهور الأولى من عمرهم.

هل كل مشروبات الطاقة متشابهة؟

لا، إطلاقًا! مشروبات الطاقة تختلف في تركيبها، فبعضها يحتوي على:

• كافيين عالي التركيز
• سكريات صناعية
• مواد عشبية غير آمنة للرضاعة مثل الجينسنغ أو الغوارانا
• مواد مضافة غير معروفة التأثير على الرضع

لذلك، من الأفضل الابتعاد عن أي مشروب يحتوي على مكونات عشبية غير معروفة أو محفزات قوية.

خلاصة القول

كونك حاملًا لا يعني أن ترهقي نفسك أو تتجاهلي حاجتك للراحة والطاقة، لكن هذا لا يعني أيضًا اللجوء لأي خيار متاح دون التحقق من أمانه.

مشروبات الطاقة للحامل ليست الخيار الأمثل، لما فيها من تجاوز الكافيين المسموح به، والسكريات والمكونات غير المعروفة.

وفي كل الأحوال، لا تترددي في سؤال طبيبتك عن أي مشروب أو مكمل قبل استخدامه؛ فسلامتك وسلامة جنينك تستحق أن تأخذي الأمور على محمل الجد، حتى لو بدا الموضوع بسيطًا.