هل تعلمين ملكتي أنه يمكن للقلق أن يجعلنا أكثر نجاحًا ويزيد من قدرتنا العاطفية! قبل جائحة كورونا قدر المعهد الوطني للصحة العقلية أن ما يقرب من ثلث البالغين الأمريكيين عانوا من اضطراب القلق في مرحلة ما من حياتهم، وكانت مستويات القلق أعلى من المرضى النفسيين في المستشفيات من منتصف الخمسينيات.

لماذا نحن قلقون جدًا اليوم؟ لقد حولنا القلق إلى شيء نخافه! فعندما نشعر بالقلق عادةً نحاول على الفور تخليص أنفسنا من الأفكار والأحاسيس غير المريحة، ولكننا بذلك نخلق المزيد من القلق!

نحن بحاجة إلى تفسير قلقنا ليس على أنه شيء نتغلب عليه بل على أنه شيء يمكن أن يحسن حياتنا، يمكن أن يجعلنا القلق عادةً أكثر نجاحًا ويزيد من قدرتنا على التواصل العاطفي!

فمثلًا إذا شعرتِ بالقلق عند إطلاق إنذار الحريق، إذا انطلق الإنذار لأنك تركت الموقد مفتوحًا تحت المقلاة بعد الانتهاء من الطهي فهذا ليس شيئًا سيئًا؛ بل إنه شيء جيد، ينبهنا الإنذار إلى أن لدينا مشكلة يجب التعامل معها وطالما أننا استمعنا إلى صوت هذا الإنذار مبكرًا بما يكفي واتخذنا الإجراء المناسب (على سبيل المثال، إيقاف تشغيل الموقد) يمكننا أن نكون بخير تمامًا، أما إذا بالغنا في رد الفعل على الإنذار فيمكننا أن نحول الموقف الإيجابي إلى موقف سيئ، والأسوأ من ذلك أننا إذا فصلنا جهاز الإنذار لأن الصرير المستمر مزعج فقد ينتهي بنا المطاف بإحراق المنزل!

أعرب عالم النفس "ديفيد بارلو"، الخبير في اضطرابات القلق، عن تقديره العميق للفوائد المتناقضة للقلق، فبدون القلق لن يتم إنجاز الكثير، سيقل أداء الرياضيين والفنانين والمديرين التنفيذيين والحرفيين والطلاب؛ سوف يتضاءل الإبداع وقد لا تزرع المحاصيل ولن نحقق جميعًا تلك الحالة المثالية التي سعينا إليها منذ فترة طويلة في مجتمعنا سريع الخطى.

ولهذا قد يكون القلق مؤشرًا على ذكاء أعلى؛ هناك مجموعة كبيرة من الأبحاث تشير إلى أن الأفراد الذين يعانون من اضطرابات القلق عادةً ما يكون لديهم درجات ذكاء أعلى من الأشخاص العاديين.

تثبت التجارب السريرية أن المرضى الذين يعانون من مستويات عالية من القلق غالبًا ما يكونون أكثر وعيًا ولديهم شعور أقوى بأنهم مدفوعون للقيام بأشياء كبيرة، ونعتقد أن السبب في ذلك هو أنه يمكن تسخير القلق لخلق وعي أكبر بالنفس وزيادة الوعي باحتياجات الآخرين.

لذلك ليس من المستغرب أن بعض أنجح الناس في التاريخ كانوا يعانون من قلق كبير، من المعروف أن "مارك توين"، على سبيل المثال، عانى بشدة من صحته العقلية بما في ذلك أعراض القلق لا سيما خلال الجزء الأخير من حياته.

كما اعترف الممثل الكوميدي "جيم كاري" أيضًا أنه عانى من القلق والاكتئاب وأخذ الأدوية لسنوات (على الرغم من أنه توقف لأنها لم تساعده)، وكذلك اعترف العديد من النجوم ​​بأنهم يعانون من القلق الشديد ونوبات الهلع والاكتئاب السريري مثل سيلينا جوميز وأديل وليدي غاغا وبروس سبرينغستين، حيث كشف الأخير عن تعرضه لانهيارين عاطفيين ويعتقد أنه كان يجب أن يدخل المستشفى من أجل أحدهما، يشعر الكثير من الناس بالدهشة عندما يعلمون أن فناني الأداء الذين يبذلون الكثير من الطاقة على المسرح قد يعانون أيضًا من القلق والاكتئاب.

بالإضافة إلى النجاح وتحسين الأداء يمكن للقلق أيضًا أن يعزز علاقاتنا مع أنفسنا والآخرين، في الواقع يمكن للقلق أن يحسن الصحة الجسدية كذلك، فالاستجابة لنداء القلق عن طريق زيادة نومنا وممارسة الرياضة والنشاط الاجتماعي وتقليل الطلبات غير الضرورية وإعادة التوازن إلى أولوياتنا يمكن أن تكون منقذة للحياة.

يمكن أن يذكرنا القلق أيضًا بالحاجة إلى التعاطف مع أنفسنا، فعندما نستجيب للقلق من خلال التعرف على حدودنا البشرية الطبيعية وقبولها فإننا نعمق تقديرنا لتجربتنا الخاصة وبالتالي نمارس شيئًا ينقصنا بشدة في المجتمع، وهو حب الذات.

عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الآخرين ستجدين أنه من الأسهل عادةً تطوير علاقات محبة ومزدهرة عندما يكون المرء قلقًا! وهذا لأن القلق يوفر فرصًا لنكون عرضة للخطر ومشاركة مخاوفنا الداخلية وبالتالي إعطاء الآخرين فرصة للاعتناء بنا، يعد تلقي الحب عنصرًا ضروريًا في أي اتصال وثيق، لذلك عندما نتخلى عن حاجتنا للسيطرة ونقبل الرعاية والدعم التي يرغب الآخرون في منحنا إياها فإننا حرفيًا نخلق المزيد من الحب في حياتنا.

باختصار، عندما نتوقف عن الخوف من القلق ومحاولة تخليص أنفسنا من آثاره يمكن هنا أن يكون القلق نعمة، ويمكن أن يكون حافزًا رئيسيًا ويساعدنا على تحقيق أحلامنا ويسهل إقامة علاقات أوثق مع أنفسنا والآخرين.