تخيّلي أن بداخلك الآن حكاية حياة تُكتب فصلًا بعد فصل، يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر… في أعماق رحمك ينمو كائن صغير، يبدأ كنقطة لا تُرى بالعين، ثم يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى قلب ينبض، وملامح تتكوّن، وحركات خفيفة تهمس لكِ: "أنا هنا".
أشهر الحمل ليست مجرد فترة انتظار لقدوم مولودك، بل هي معجزة حية تشهدينها في كل لحظة، حيث يمر جنينك بمراحل مدهشة من التطور، من أول خلية وحتى يصبح مستعداً لمعانقة العالم !
في هذا المقال، سنرافقك شهرًا بشهر في هذه الرحلة الساحرة، لنكشف لكِ أسرار نمو صغيرك، ونمنحك نظرة أقرب على تلك التغييرات الرائعة التي تحدث في أحشائك.
تبدأ الرحلة بحدوث الإخصاب، وهو اتحاد البويضة والحيوان المنوي لتكوين خلية واحدة، وهي الخطوة الأولى في سلسلة معقدة من الأحداث التي تؤدي إلى حدوث الحمل، ويتم الإخصاب داخل قناة فالوب، وعلى مدار الأيام التالية، تنقسم هذه الخلية الواحدة إلى عدة خلايا.
وفي الوقت ذاته، تتحرك مجموعة الخلايا الصغيرة المنقسمة عبر قناة فالوب نحو بطانة الرحم، حيث تنغرس هناك وتبدأ بالنمو، وخلال الأسابيع الثمانية الأولى بعد الإخصاب، يُطلق على هذا الكائن اسم "الجنين"، ومن الأسبوع التاسع بعد الإخصاب وحتى الولادة، يُعرف باسم "الجنين المتطور" أو "الجنين الكامل" (الجنين).
تتكوّن المشيمة من بعض هذه الخلايا المنقسمة بسرعة، حيث تعمل المشيمة كنظام دعم للحياة خلال فترة الحمل، حيث تنتقل الأكسجين، والمواد المغذية، والهرمونات عبر المشيمة إلى الجنين، كما تنتقل فضلات الجنين مرة أخرى عبر المشيمة لإزالتها من جسم الأم.
خلال الحمل، تزداد سماكة بطانة الرحم وتتوسع الأوعية الدموية فيه لتوفير التغذية اللازمة للجنين، ومع تقدم الحمل، يتمدد الرحم ليتسع لنمو الجنين، وبحلول وقت الولادة، يكون الرحم قد تمدد ليصل إلى أضعاف حجمه الطبيعي.
يدوم الحمل الطبيعي حوالي 40 أسبوعًا بدءًا من أول يوم في آخر دورة شهرية (LMP)، ويُفترض أن يبدأ الحمل بعد أسبوعين من أول يوم في الدورة الشهرية، ولذلك يُضاف أسبوعان في بداية حساب الحمل رغم أن الحمل لم يبدأ فعليًا بعد، وتشمل الأسابيع الأربعون من الحمل هذين الأسبوعين الإضافيين.
يمكن تقسيم الحمل إلى أسابيع وأحيانًا إلى أيام، فعندما يُقال إن الحمل "36 و3/7 أسبوعًا"، فهذا يعني "36 أسبوعًا و3 أيام من الحمل"، وغالبًا ما تُقسّم الأسابيع الأربعون إلى ثلاث مراحل (ثلاثة أثلاث):
اليوم المتوقع لولادة الطفل يُعرف بـ "تاريخ الولادة المتوقع" (EDD)، لكن واحدة فقط من كل 20 امرأة تلد في هذا التاريخ تحديدًا !
ورغم ذلك، فإن هذا التاريخ مفيد لأسباب عدة، إذ يساعد في تحديد عمر الجنين طوال فترة الحمل لتتبع نموه، كما يُستخدم لتحديد مواعيد الفحوصات والتحاليل خلال الحمل.
يُحسب تاريخ الولادة المتوقع بناءً على أول يوم في آخر دورة شهرية، ولكن عندما يكون تاريخ آخر دورة غير مؤكد، قد يُجرى فحص بالموجات فوق الصوتية (السونار) خلال الثلث الأول من الحمل لتقدير موعد الولادة.
خلال هذا الفحص، يتم قياس "الطول من الرأس إلى المقعدة"، وهو الطول من أعلى رأس الجنين ("التاج") إلى أسفل المنطقة التي ستتحول لاحقًا إلى الأرداف ("المقعدة").
وإذا كان عمر الحمل أقل من 7 أسابيع، فلا يمكن رؤية التاج أو المقعدة، فيُقاس حينها أكبر طول للجنين، ويُستخدم هذا القياس ضمن معادلة لتقدير عمر الحمل.
وفي حال إجراء التلقيح الصناعي (IVF)، يتم تحديد تاريخ الولادة المتوقع بناءً على عمر الجنين وتاريخ نقله إلى الرحم.
ينمو الجنين ويتطور بشكل مذهل خلال تسعة أشهر فقط، وإليكِ ملخصًا موجزًا يوضح كيفية تطور طفلك خلال أشهر الحمل.
الشهر الأول – الأسبوع 1 إلى 4
بعد أن يتم تلقيح البويضة وانغراسها في بطانة الرحم، يبدأ كيس بالنمو حولها، وهو ما يُعرف بـ الكيس الأمنيوسي، والذي سيحتوي على السائل الأمنيوسي ليحمي الجنين ويحيط به، كما تبدأ المشيمة بالتكوّن خلال هذا الشهر من أشهر الحمل، وهي المسؤولة عن تزويد الجنين بالغذاء والدعم من الأم.
تبدأ ملامح الوجه والعينين في التشكل، ويبدأ القلب في النبض، وبحلول نهاية الأسبوع الرابع، يكون حجم جنينك أصغر قليلًا من حبة الأرز!
وهنا تلعب فيتامينات المجموعة B دورًا أساسيًا في صحة الأم والجنين خلال الحمل، وخاصة فيتامين B6 وحمض الفوليك (B9)، لذا تأكدي من حصولك على الكميات المناسبة منها.
الشهر الثاني – الأسبوع 5 إلى 9
في الشهر الثاني من الحمل، يستمر وجه الجنين في التكوّن، وتظهر براعم صغيرة ستصبح لاحقًا أطرافه، وتبدأ أعضاء مهمة مثل الدماغ، والأعضاء الحسية، والجهاز الهضمي في التشكل، كما يبدأ الغضروف في جسم الجنين بالتحول تدريجيًا إلى عظام.
مع نهاية الشهر الثاني، يبلغ طول الجنين حوالي 2.5 سم (1 إنش تقريبًا)، وبعد مرور 6 أسابيع تقريبًا، يمكن رصد نبض قلبه باستخدام جهاز الموجات فوق الصوتية.
ينصح ببدء تناول الفيتامينات المخصّصة للحمل، وأحماض أوميغا 3، وزيت السمك لدعم التطور الصحي للجنين.
توصي الجمعية الأمريكية للحمل بتناول:
الشهر الثالث – الأسبوع 10 إلى 14
تتطور الأطراف بشكل كامل، بما في ذلك اليدان، القدمان، الأصابع، وأصابع القدمين، وتبدأ الأظافر بالظهور، وتتكوّن الأذنان الخارجيتان والأسنان.
أما الأعضاء التناسلية، فرغم بدء تشكلها، إلا أنه لا يمكن تمييز جنس الجنين بعد عبر الفحص بالموجات فوق الصوتية.
مع نهاية الشهر الثالث، يكون الجنين مكتمل التكوين من حيث الأعضاء والأطراف، ويبلغ طوله حوالي 10 سم ووزنه نحو 28 غرامًا، وبعد هذه المرحلة، تقل احتمالية الإجهاض فيما بقي من أشهر الحمل بشكل ملحوظ.
الشهر الرابع – الأسبوع 15 إلى 19
ينمو الشعر، والجفون، والرموش، والأظافر بشكل واضح، كما يصبح نبض القلب مسموعًا بوضوح عبر جهاز "الدوبلر"، وتبدأ الأسنان في التصلب، ويبدأ الجنين بالتثاؤب، والتمدد، ومص الإبهام، وتحريك وجهه بتعابير لطيفة.
يتطور جهازه العصبي بالكامل، وكذلك جهازه التناسلي، مما يسمح للطبيب بتحديد جنس الجنين عبر الفحص بالموجات فوق الصوتية.
وبحلول نهاية الشهر الرابع من أشهر الحمل، يبلغ طوله حوالي 15 سم ووزنه نحو 113 غرامًا.
الشهر الخامس – الأسبوع 20 إلى 24
قد تشعرين هذا الشهر بـ حركة الجنين لأول مرة، كما ينمو الشعر على رأسه وجسمه، وتغطي أكتافه وظهره طبقة رقيقة من الشعر تسمى اللانجو، كما تغطي جلده مادة دهنية بيضاء لحمايته من تأثير السائل الأمنيوسي، وهذه الطبقة تزول قبل الولادة.
في نهاية الشهر الخامس، يبلغ طول الجنين نحو 25 سم ووزنه بين 225 إلى 450 غرامًا.
وإذا وُلد الجنين بعد الأسبوع 23، فسيحتاج إلى الحضانة (NICU) لزيادة فرص بقائه على قيد الحياة.
الشهر السادس – الأسبوع 25 إلى 30
يكون جلد الجنين رقيقًا وشفافًا، مائلًا إلى الاحمرار، ومجعدًا، تتشكل بصمات الأصابع وأصابع القدمين بشكل كامل، تنفتح جفونه، ويصبح قادرًا على فتح عينيه.
يبدأ الجنين في الاستجابة للمؤثرات الخارجية مثل الأصوات، وقد تظهر حركات الفواق (الحازوقة) على شكل اهتزازات خفيفة.
في نهاية الشهر السادس من أشهر الحمل، يبلغ طوله نحو 30 سم ووزنه حوالي 900 غرام.
الشهر السابع – الأسبوع 26 إلى 29
يواصل الجنين نمو أعضائه وأنظمته، ويبدأ في تخزين طبقة من الدهون، يصبح السمع مكتمل التطور، فيستجيب للصوت، والألم، والضوء، ويغيّر وضعيته باستمرار.
مع كبر حجمه، يبدأ السائل الأمنيوسي في التناقص تدريجيًا.
بحلول نهاية الشهر السابع، يبلغ طوله حوالي 36 سم ووزنه ما بين 900 غرام و1.8 كغم، وإذا وُلد بعد الأسبوع 27، فإن فرص بقائه على قيد الحياة تصبح أفضل.
الشهر الثامن – الأسبوع 30 إلى 34
يواصل الجنين اكتساب الدهون وتطور دماغه بشكل سريع، ويصبح قادرًا على الرؤية والركل أكثر، وتكتمل معظم أعضائه الداخلية، لكن الرئتين لا تزالان بحاجة إلى وقت إضافي للنضج.
مع نهاية الشهر الثامن من أشهر الحمل، يبلغ طوله نحو 45 سم ووزنه حوالي 2.2 كغم.
الشهر التاسع – الأسبوع 35 إلى 40+
تكتمل الرئتان استعدادًا للولادة، وتصبح ردود أفعاله أكثر تنسيقًا، فيستجيب للأصوات، ويرمش، ويمسك الأشياء، ويدير رأسه.
قد تقل حركاته في الأسابيع الأخيرة مع اتخاذه وضعية الولادة، حيث يكون الرأس إلى الأسفل قرب قناة الولادة.
يبلغ طول الجنين في هذه المرحلة حوالي 46–51 سم ووزنه لا يقل عن 3.1 كغم.
يُعد الحمل فترة مميزة للأم والجنين، لذا فإن الحصول على قسط كافٍ من الراحة، وتناول غذاء صحي ومتوازن، وتجنب التوتر، أمور ضرورية لصحتك وصحة صغيرك، ويمكنك بدء الارتباط بطفلك وهو لا يزال في رحمك عبر التحدث معه، وتهيئة بيئة نفسية إيجابية، وتذكري دائمًا: الأم السعيدة تمنح طفلًا سعيدًا.
وإليكِ كيف تحافظين على صحتكِ وصحة جنينكِ قدر الإمكان..
في الزيارة الأولى، سيُجري لكِ الطبيب اختبار الحمل، ثم يحدد عدد أسابيع حملك بناءً على الفحص البدني وتاريخ آخر دورة شهرية، كما سيُستخدم ذلك لتقدير موعد ولادتك (ويتم تأكيد الموعد لاحقًا عبر الموجات فوق الصوتية).
إذا كنتِ بصحة جيدة ولا توجد لديكِ عوامل خطورة، فإن معظم الأطباء يحددون المواعيد كما يلي:
سيقوم الطبيب بمراقبة وزنك وضغط دمك بانتظام، ومتابعة نمو جنينك وتطوره (مثل فحص البطن، والاستماع إلى نبض قلب الجنين بدءًا من الثلث الثاني، وقياس حجم البطن)، كما ستخضعين لفحوص الحمل، وربما لإجراء تصوير واحد على الأقل بالموجات فوق الصوتية.
الآن، وأنتِ "تأكلين لشخصين"، لا تقللي السعرات ولا تتبعي حمية لإنقاص الوزن، حيث تحتاج الحامل بجنين واحد إلى 300–400 سعر حراري إضافي يوميًا في الثلث الثاني، وأكثر قليلًا في الثلث الثالث.
وإذا كنتِ نحيفة جدًا، أو نشيطة للغاية، أو حاملًا بتوأم، فستحتاجين سعرات إضافية أكثر، أما إذا كنتِ تعانين من زيادة الوزن، فقد ينصحك الطبيب بتقليل السعرات الإضافية.
احرصي على أن تأتي السعرات الإضافية من أطعمة مغذية تعزز نمو الجنين، مثل:
سيساعدك النظام الغذائي المتوازن على الحصول على العناصر الغذائية الضرورية، لكنكِ ستحتاجين إلى كميات أكبر من الكالسيوم، والحديد، وحمض الفوليك مقارنة بما قبل الحمل، وسيصف لكِ الطبيب فيتامينات الحمل للتأكد من حصولك أنتِ وجنينك على ما يكفي.
تحتاج المرأة (19 عامًا فأكثر) إلى 1000 ملغ من الكالسيوم يوميًا للحفاظ على صحة العظام والأسنان، وأثناء الحمل، يحتاج الجنين لكميات كبيرة من الكالسيوم، لذا يجب أن تزداد كميتك لتجنب سحبه من عظامك.
مصادر الكالسيوم تشمل:
تحتاج الحامل إلى 30 ملغ من الحديد يوميًا، وهو ضروري لتكوين الهيموغلوبين (البروتين الحامل للأكسجين في خلايا الدم الحمراء).
ومن دون الحديد الكافي، لا يستطيع الجسم إنتاج ما يكفي من خلايا الدم الحمراء، مما يقلل من وصول الأكسجين إلى الأنسجة والأعضاء.
مصادر الحديد تشمل:
يوصي مركز السيطرة على الأمراض (CDC) جميع النساء في سن الإنجاب – وخاصة المقبلات على الحمل – بتناول 400 ميكروغرام من حمض الفوليك يوميًا، وتزداد الكمية إلى 600 ميكروغرام للحامل.
يساعد حمض الفوليك على تقليل خطر عيوب الأنبوب العصبي، الذي يتكون في الأسابيع الأولى من الحمل قبل أن تعرف المرأة غالبًا أنها حامل، ويتطور ليصبح الدماغ والحبل الشوكي للجنين.
من المهم شرب كمية كافية من السوائل، خاصة الماء، خلال الحمل؛ فحجم الدم يزداد كثيرًا، والماء يساعد على منع الجفاف والإمساك (المشكلة الشائعة أثناء الحمل).
فالنيكوتين وأول أكسيد الكربون يقللان من وصول الأكسجين إلى الجنين، ما يزيد خطر الولادة المبكرة، انخفاض وزن المولود، ومشاكل تنفسية بعد الولادة.
وتشير الدراسات إلى أن أطفال الأمهات المدخنات لديهم معدل أعلى لمتلازمة موت الرضيع المفاجئ (SIDS).
أثناء الحمل، يعمل جسمك بطاقة مضاعفة لدعم الجنين، ما يزيد حاجتك للنوم، وقلة النوم مرتبطة بارتفاع ضغط الدم الحملي وتسمم الحمل.
لذا فالنوم الجيد (7-9 ساعات ليلًا + قيلولة قصيرة نهارًا) يساعد على تنظيم هرمونات النمو، تعزيز المناعة، وتحسين تدفق الدم للمشيمة.
والوضعية المثالية للنوم بعد الثلث الأول هي الجانب الأيسر، لأنها تحسن تدفق الدم للرحم والكلى وتقلل الضغط على الكبد.
رغم أنكِ بحاجة لمراعاة ما تفعلينه أو لا تفعلينه أثناء أشهر الحمل، إلا أن كثيرًا من النساء يقلن إنهن لم يشعرن بصحة أفضل من فترة الحمل، والسبب يعود إلى ارتفاع بعض الهرمونات مثل الإستروجين والبروجسترون التي تحسن تدفق الدم وتمنح البشرة إشراقة طبيعية، كما أن زيادة حجم الدم بنسبة تصل إلى 50% تجعل الأكسجين والعناصر الغذائية تصل بكفاءة أعلى إلى الأنسجة؛ لذا فبعض النساء يشعرن بطاقة أكبر ومزاج أفضل، خاصة في الثلث الثاني من الحمل، بفضل استقرار مستويات الهرمونات وتحسن النوم، فاستمتعي وانتظري طفلك الحبيب بهدوء واطمئنان.
اطعمة مفيدة للحامل وسيحبها جنينك
أنتِ وصغيرك كلاكما بحاجة إلى جرعة كاملة من الفيتامينات والعناصر الغذائية للحفاظ على صحة جيدة، ولكن ما هي أهم اطعمة مفيدة للحامل وللجنين ؟
هل حزن الحامل يؤثر على الجنين
حزن الحامل يؤثر على الجنين، فحين تحزن الحامل ربما يتطور الأمر إلى سكري الحمل، وإذا توترت بشكل مستمر يرتفع هرمون الكورتيزول
متى يجب الامتناع عن العلاقة الحميمة أثناء الحمل
متى يجب الامتناع عن العلاقة الحميمة أثناء الحمل ؟ بدايةً من الآمن تمامًا ممارسة العلاقة الحميمة أثناء الحمل ما لم يخبرك طبيبك بعدم القيام بذلك