قد تظنين أن ما تمرّين به مجرد حمل عادي، لكن أحيانًا يختبئ خلف البدايات البريئة ما هو أخطر مما تتوقعين، بين غثيان يشبه الحمل الطبيعي وألم خفيف في البطن، قد تظهر إشارات غير واضحة تُنذر بحالة طبية طارئة تهدد حياتك وصحتك الإنجابية.

نعم، نحن نتحدث عن أعراض حمل خارج الرحم، تلك العلامات التي قد تختلط على الكثير من النساء فلا يلتفتن إليها إلا بعد فوات الأوان.

فما هي هذه الأعراض الخفية؟ ولماذا يعد الحمل خارج الرحم من أخطر التجارب التي قد تمر بها المرأة؟ وكيف يمكن اكتشافه مبكرًا لتجنب المضاعفات؟

ما هو الحمل خارج الرحم؟

الحمل الطبيعي يمر بعدة مراحل تبدأ من إخصاب البويضة، ثم انتقالها عبر قناة فالوب إلى الرحم حيث تنغرس في بطانته وتنمو حتى الولادة.

لكن في الحمل خارج الرحم، لا تصل البويضة المخصبة إلى الرحم، بل قد تنغرس في قناة فالوب (وهو المكان الأكثر شيوعًا)، أو في التجويف البطني، أو في عنق الرحم.

هذه الحالة خطيرة لأن البويضة لا يمكنها أن تنمو بشكل طبيعي خارج الرحم، وقد تؤدي إلى انفجار قناة فالوب وحدوث نزيف داخلي يهدد حياة المرأة.

ووفقًا للأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة (AAFP)، تحدث حالة حمل خارج الرحم واحدة من بين كل 50 حالة حمل تقريبًا (أي نحو 20 حالة من كل 1000 حمل).

أعراض حمل خارج الرحم

من المهم جدًا أن تكون كل امرأة على دراية بـ أعراض حمل خارج الرحم، لأن الاكتشاف المبكر يزيد من فرص النجاة ويحافظ على الخصوبة المستقبلية.

تشمل أعراض حمل خارج الرحم الأكثر شيوعًا:

• ألم حاد ومفاجئ في البطن أو الحوض أو الكتف أو الرقبة.
• ألم شديد في جهة واحدة من البطن، وغالبًا ما يكون متكررًا.
• نزيف مهبلي غير طبيعي يتراوح بين البقع الخفيفة والنزيف الغزير.
• دوار شديد أو إغماء نتيجة فقدان الدم الداخلي.
• ضغط في المستقيم أو الشعور برغبة في التبرز دون سبب واضح.

من الجدير بالذكر أن بعض أعراض حمل خارج الرحم مثل غثيان الصباح وألم الثدي قد تشبه الحمل الطبيعي، مما يجعل التشخيص أكثر صعوبة؛ لذا، يجب مراجعة الطبيب فورًا عند ظهور أي من العلامات السابقة مع وجود حمل.

أسباب الحمل خارج الرحم

لا يوجد سبب واحد محدد لظهور أعراض حمل خارج الرحم، لكن هناك عدة عوامل قد تؤدي إلى حدوثه.

أهم أسباب الحمل خارج الرحم تشمل:

• التهابات قناتي فالوب: مثل التهابات الحوض أو الأمراض المنقولة جنسيًا (كالسيلان والكلاميديا) التي تترك ندوبًا تعيق مرور البويضة.
• العمليات الجراحية السابقة: كجراحة الحوض أو البطن، أو عمليات الإجهاض المتكرر، التي قد تسبب التصاقات.
• العوامل الهرمونية: بعض الاختلالات الهرمونية قد تؤثر في حركة البويضة أو بطانة الرحم.
• التشوهات الخلقية أو العيوب الجينية: التي تؤثر في قناتي فالوب أو الأعضاء التناسلية.
• التدخين: حيث يقلل من كفاءة قناتي فالوب في نقل البويضة.

عوامل الخطر للحمل خارج الرحم

كل امرأة قد تتعرض لهذه الحالة، لكن هناك بعض الفئات أكثر عرضة للإصابة:

• النساء اللواتي تجاوزن سن 35 عامًا.
• وجود تاريخ سابق من الحمل خارج الرحم.
• الإصابة بـ مرض التهاب الحوض (PID) أو الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis).
• الحمل بعد استخدام أدوية الخصوبة أو التلقيح الصناعي.
• الحمل رغم وجود اللولب (IUD) أو بعد عملية ربط قناتي فالوب.
• وجود تشوهات هيكلية في قناتي فالوب.

تشخيص الحمل خارج الرحم

لا يمكن الاعتماد على أعراض حمل خارج الرحم وحدها لتشخيص الحمل خارج الرحم، إذ قد تتشابه مع حالات أخرى.

لذلك يستخدم الأطباء وسائل تشخيصية دقيقة مثل:

1. الموجات فوق الصوتية عبر المهبل: للكشف عن وجود كيس الحمل داخل الرحم أو خارجه.
2. تحاليل الدم لقياس هرمونات الحمل (hCG والبروجسترون): إذا انخفضت المستويات أو ظلت ثابتة مع غياب كيس الحمل في الأشعة، فهذا مؤشر قوي على الحمل خارج الرحم.

في الحالات الطارئة، قد يتم التدخل الجراحي مباشرة دون انتظار نتائج الفحوص، خاصة عند وجود نزيف داخلي حاد.

علاج الحمل خارج الرحم

من المؤكد أن الحمل خارج الرحم لا يمكن أن يكتمل، ويجب التدخل العلاجي الفوري.

تختلف خيارات العلاج بين الدواء والجراحة، حسب حالة المريضة ومكان الحمل.

1. العلاج الدوائي

يُستخدم دواء الميثوتريكسات (Methotrexate)، وهو يعمل على وقف نمو الخلايا سريعة الانقسام في كتلة الحمل، ويُعطى عن طريق الحقن، مع متابعة مستمرة لتحاليل الدم.

أعراضه تشبه الإجهاض: نزيف، تقلصات، ونزول أنسجة.

ميزته أنه لا يسبب أضرارًا كبيرة في قناة فالوب مقارنة بالجراحة.

عيبه أن الحمل يجب تأجيله عدة أشهر بعد استخدامه.

2. العلاج الجراحي

يتم غالبًا عن طريق منظار البطن، حيث يدخل الطبيب كاميرا دقيقة عبر شق صغير ويزيل الجنين مع إصلاح قناة فالوب، وإذا لم تنجح العملية، قد يلجأ الطبيب إلى جراحة أكبر (فتح البطن).

في الحالات الشديدة، قد تتم إزالة قناة فالوب بالكامل.

3. العناية المنزلية بعد العلاج

• إبقاء الجروح نظيفة وجافة ومراقبتها لأي علامات عدوى.
• التزام الراحة وتجنب رفع الأشياء الثقيلة.
• الامتناع عن العلاقة الحميمة أو استخدام السدادات القطنية حتى الشفاء.
• شرب الكثير من السوائل لتجنب الإمساك.
• مراجعة الطبيب فورًا عند ملاحظة نزيف غزير أو ألم غير طبيعي.

تجربتي مع الحمل خارج الرحم

في صباح التاسع من مايو عام 2023، اكتشفت أنني حامل، وكنت قد عدت لتوي من عطلة مبهجة حيث استمتعت بالشمس مع زوجي، وقبل أسابيع قليلة فقط كنت قد أزلت اللولب ولم تكن لدي أي نية للإنجاب، لكنني – على غير المتوقع – حملت، وقد كان مجرد حدوث الحمل نعمة بحد ذاته.

لكن الطريقة التي سارت بها هذه الرحلة كانت مرهقة…قضيت بقية ذلك الأسبوع في تحديد المواعيد الطبية، وإخبار أمي وأبي وأخواتي، لا زلت أحتفظ بالفيديو الذي يوثّق دهشتهم وفرحتهم الكبيرة على هاتفي حتى اليوم.

لكن في اليوم التالي، وبينما كان والدي زوجي يقترح أسماء للأطفال، وجدت نفسي منهكة، أعاني من تقلصات ونزيف، لم أكن أعلم ما الذي يحدث ! ذهبت إلى المستشفى، واستقبلتني الممرضات والأطباء في قسم الطوارئ بلطف شديد، ظنوا أن ما أمرّ به إجهاض، لكنهم لم يتمكنوا من تأكيد ذلك، واضطروا إلى إرسالي إلى مستشفى آخر، من دون طعام أو ماء، تحسبًا لإجراء عملية جراحية.

حين وصلنا، وبفضل رسالة من طبيب الطوارئ، تم نقلي مباشرة من قاعة الانتظار إلى غرفة خاصة، حيث أحضروا لي مناشف ساخنة لتخفيف الألم، لم أكن أستطيع تناول أي مسكّنات، لأنني كنت – تقنيًا – ما زلت حاملًا، تم استدعاء طبيب النساء والتوليد، وبعد فحصه لي، افترض هو الآخر أن ما يحدث إجهاض.

لكن الفحص الدموي كشف مفاجأة…كانت هرمونات الحمل (Beta-hCG) ترتفع في كل تحليل متتالٍ. لم يستطع أحد فهم الأمر:

• هل كان حملي طبيعيًّا مع أعراض غريبة؟
• هل كنت حاملاً بتوأم وفقدت أحدهما؟

أرسلوني إلى المنزل من دون إجابات، وطُلب مني مراجعة طبيبتي بعد عطلة نهاية الأسبوع، فعلت ذلك، لكنها هي الأخرى لم تستطع أن تحسم الوضع.

عندها تواصلت مع طبيبتي في العلاج الطبيعي، والتي تعمل في مركز خصوبة، فتحدثت مع أحد زملائها وأحضرتني للفحص.

وهنا أقول: الحمد لله أنه فعل ذلك، فقد يكون أنقذ حياتي.

لقد استطاع تشخيص الأمر: إنه حمل خارج الرحم !

وماذا يعني ذلك؟ يعني أن البويضة المخصبة لم تنغرس في الرحم، بل في جدار قناة فالوب، وهذا أمر شديد الخطورة، قد يؤدي إلى تمزق القناة، نزيف داخلي، بل وحتى الوفاة.

ولحسن الحظ، اكتشف الأمر مبكرًا بما يكفي لبدء العلاج من دون جراحة !

وبدموع غزيرة، ودّعت تلك "البذرة الصغيرة" التي نمت في المكان الخطأ، حصلت على حقنة دوائية (الميثوتريكسات)، وتابعت فحوصات الهرمونات حتى عادت إلى المستوى الطبيعي.

كان علينا الانتظار ثلاثة أشهر قبل أن نحاول مجددًا، والغريب أن الموعد المسموح لنا بالمحاولة كان يوم 27 أغسطس 2023 – يوم عيد زواجنا الأول، اعتبرت ذلك فألًا حسنًا.

وبصفتي طبيبة في العلاج الطبيعي، كان لا بد أن أبحث وأفهم لماذا حدث ذلك لي:

• هل كان السبب أن الحمل حدث سريعًا بعد إزالة اللولب؟ بعض الدراسات تقول إن هذا ممكن.
• أم لأن أمي وخالتي عانتا من حمل خارج الرحم من قبل؟
• أم أنه لم يكن مقدرًا له أن يستمر؟

أيًّا كان السبب، أدركت أن عليّ أن أهيئ جسدي جيدًا قبل أن أحاول مرة أخرى.

فبدأت رحلة عميقة مع طبيبتي:

• اهتممنا بالتغذية المثالية لتعزيز الخصوبة.
• فحصنا الهرمونات للتأكد من توازنها.
• بدأت أتعقب دورتي الشهرية، وقياسات الحرارة، وطبيعة إفرازات عنق الرحم لفهم أوقات الإباضة بدقة.
• أجريت فحص السونوهستروغرام للتأكد من سلامة الرحم والأنابيب وعدم وجود آثار أو ندبات من الحمل السابق.
• اتبعت برنامجًا من المكملات: أعشاب، فيتامينات ومعادن، لدعم جسدي وتقليل الالتهاب.

لا أستطيع أن أصف امتناني للطبيبة التي رافقتني، استمعت إليّ حين لم يسمعني الآخرون، منحتني وقتها وإجاباتها، وساعدتني على أن أبذل أقصى ما في وسعي لأحمل مجددًا وأحافظ على حملي.

في الحادي والعشرين من ديسمبر عام 2023، ظهرت أمامي نتيجة اختبار الحمل الإيجابية.

وتخيلوا معي… كان موعد ولادة طفلتي  – التي جاءت بعد خسارة سابقة – في السابع والعشرين من أغسطس عام 2024، أي في يوم ذكرياتنا الخاصة تمامًا.

منذ أن جاءت إلى حياتي، وضعت على عاتقي مهمة شخصية ومهنية؛ أن أقدّم لمرضاي المستوى نفسه من الرعاية والدعم والاهتمام الذي تلقيته أنا.

صرت أستمع أكثر، أجيب عن الأسئلة بصبر، وأرافق النساء اللواتي يواجهن صعوبات في الحمل أو فقدانه، أردت أن أكون اليد التي تطمئن، والصوت الذي يُشعر المرأة بأنها ليست وحدها في هذه التجربة.

الوقاية من الحمل خارج الرحم

لا توجد وسيلة مؤكدة لمنع حدوثه، لكن يمكن تقليل المخاطر عبر:

1. إجراء فحوص نسائية دورية للكشف عن التهابات الحوض أو الأمراض المنقولة.
2. الإقلاع عن التدخين للحفاظ على صحة قناتي فالوب.
3. المتابعة الدورية مع الطبيب خصوصًا بعد حدوث حمل خارج الرحم سابقًا.

التوقعات المستقبلية بعد الحمل خارج الرحم

الكثير من النساء اللواتي مررن بـ أعراض حمل خارج الرحم ينجحن لاحقًا في الحمل والإنجاب بشكل طبيعي، خاصة إذا بقيت إحدى قناتي فالوب سليمة.

لكن في بعض الحالات، قد تؤثر الندوب أو إزالة قناتي فالوب على الخصوبة، وهنا يمكن اللجوء إلى وسائل مثل التلقيح الصناعي (IVF)، حيث يتم زرع بويضة مخصبة مباشرة في الرحم.

من الناحية النفسية، فقدان الحمل قد يكون مؤلمًا جدًا؛ لذا من المهم منح نفسكِ الوقت الكافي للتعافي، وطلب الدعم أو الاستشارة الطبية النفسية إن لزم الأمر.

الأسئلة الشائعة حول الحمل خارج الرحم

1. هل يمكن الحمل مرة أخرى بعد الحمل خارج الرحم؟

نعم، يمكن للمرأة الحمل مرة أخرى بشكل طبيعي بعد الحمل خارج الرحم، خصوصًا إذا بقيت إحدى قناتي فالوب سليمة.

تشير الدراسات إلى أن أكثر من 65٪ من النساء اللواتي مررن بهذه التجربة أنجبن لاحقًا بشكل طبيعي.

2. هل الحمل خارج الرحم يتكرر؟

هناك احتمال لتكرار الحمل خارج الرحم بنسبة تتراوح بين 10 – 15٪.

ويزداد الخطر إذا كانت هناك مشاكل سابقة في قناتي فالوب أو تاريخ من الالتهابات المزمنة.

3. هل الحمل خارج الرحم يؤثر على الدورة الشهرية؟

في البداية قد تتأخر الدورة الشهرية، تمامًا كما يحدث في الحمل الطبيعي، لكن بعد انتهاء الحمل خارج الرحم سواء بالجراحة أو الدواء، تعود الدورة غالبًا إلى انتظامها بعد أسابيع قليلة.

4. ما الفرق بين أعراض الحمل الطبيعي والحمل خارج الرحم؟

الحمل الطبيعي يصاحبه غثيان وتورم في الثدي وتأخر الدورة الشهرية، أما أعراض الحمل خارج الرحم فتشمل بالإضافة إلى هذه العلامات: نزيف غير طبيعي، آلام حادة في جانب واحد من البطن، والدوخة أو الإغماء، وهي أعراض تستدعي التدخل الطبي الفوري.

5. هل الحمل خارج الرحم يسبب العقم؟

ليس بالضرورة، فإذا بقيت قناتا فالوب سليمتين أو حتى واحدة منهما، فإن فرص الحمل الطبيعي مستقبلاً قائمة، لكن في حال حدوث تلف أو إزالة القناتين، يمكن اللجوء إلى تقنيات المساعدة على الإنجاب مثل التلقيح الصناعي (IVF).

6. هل يمكن الوقاية من الحمل خارج الرحم؟

لا يمكن الوقاية منه بشكل كامل، لكن يمكن تقليل المخاطر بالابتعاد عن التدخين، وعلاج الالتهابات التناسلية مبكرًا، وإجراء الفحوص الدورية.

الخلاصة

أعراض حمل خارج الرحم خطيرة لا يمكن تجاهلها، وأي تأخير في التشخيص أو العلاج قد يشكل خطرًا كبيرًا على صحة المرأة وحياتها، لكن مع الوعي المبكر، والفحوص الدورية، والالتزام بأساليب الوقاية، يمكن تقليل المخاطر بشكل كبير.

تذكري أن معظم النساء اللاتي مررن بأعراض حمل خارج الرحم تمكنّ لاحقًا من الحمل والولادة بشكل طبيعي، أهم ما عليكِ فعله هو مراجعة طبيبك باستمرار، والاهتمام بصحتكِ الجسدية والنفسية لضمان مستقبل إنجابي أفضل.