كثير من النساء، حين يصبحن أمهات، يكتشفن أن بعض التصرفات التي يقمن بها مع أبنائهن ليست نابعة من وعيهن، بل انعكاس لما عشنه في طفولتهن. التربية ليست مجرد كلمات أو أوامر، بل موروثات نفسية وسلوكية تنتقل من جيل إلى جيل. بعض هذه الموروثات قد تكون إيجابية، لكن الكثير منها يترك جروحًا داخلية عميقة في نفسية الطفل، قد ترافقه طوال حياته.
ولأننا نطمح أن ننشئ جيلًا أكثر وعيًا وسلامًا، من المهم أن نتوقف عند التصرفات الأبوية المتوارثة التي تسبب صدمات نفسية للأطفال، وأن نتحلى بالشجاعة لمواجهتها بدلًا من تكرارها بلا وعي.
الطفل في سنواته الأولى أشبه بالإسفنجة؛ يمتص كل ما يراه ويسمعه دون أن يمتلك آلية لتمييز الصحيح من الخاطئ أو القاسي من الحنون. هو لا يملك "مرشحات نفسية" تحميه من الأذى العاطفي أو تنبهه أن بعض التصرفات لا تعكس قيمته الحقيقية. لهذا تصبح تصرفات الأهل وألفاظهم وانفعالاتهم بمثابة اللبنات الأولى التي تُبنى عليها شخصية الطفل وصورته عن نفسه وعن الحياة.
حين يشعر الطفل أنه مقبول كما هو بضحكاته، أخطائه، وحتى عيوبه ينمو بداخله اعتقاد راسخ بأنه شخص يستحق الحب. هذه الصورة الداخلية الإيجابية ترافقه لسنوات وتصبح درعًا يحميه من النقد الخارجي. أما إذا كان يرى في عيون أهله رفضًا أو استياءً متكررًا، فإن هذه المشاعر تتحول إلى جرح عميق يضعف ثقته بنفسه.
الألعاب تُكسر ويمكن تعويضها، لكن الكلمات القاسية تنغرس في الذاكرة العاطفية للطفل كوشم لا يمحى. عندما يسمع عبارات مثل "أنت غبي" أو "لن تنجح أبدًا"، فإنه يبدأ بتصديقها، وتتحول مع الوقت إلى قناعة داخلية توجه اختياراته وسلوكياته.
البيت بالنسبة للطفل يجب أن يكون "المكان الآمن" الذي يحتمي به من ضغوط الحياة الخارجية. فإذا غاب هذا الأمان، وعاش الطفل في جو مليء بالصراخ، النقد المستمر، أو الإهمال العاطفي، فإنه يتعلم العيش في قلق داخلي مزمن. هذا القلق قد لا يظهر دائمًا في شكل بكاء أو غضب، لكنه يتجلى لاحقًا في صعوبة بناء علاقات صحية، أو في شعور دائم بعدم الكفاية.
الطفل الذي يتلقى دعمًا وتشجيعًا صادقًا، يذهب إلى المدرسة وهو يحمل شعورًا بالقيمة والقدرة. أما الطفل الذي اعتاد على التوبيخ والتحقير، فإنه يذهب وهو مثقل بالشك في نفسه، ويصبح أكثر عرضة للتنمر أو للفشل الأكاديمي والاجتماعي.
لهذا السبب، يدعو خبراء التربية وعلم النفس إلى أن يكون الأهل واعين لكل كلمة وتصرف، لأنهم في الحقيقة لا يربّون أطفالهم فقط، بل يزرعون فيهم البذور التي ستنمو لتصبح شخصيات بالغين في المستقبل.
ما زال الضرب يُمارس في كثير من البيوت باعتباره "وسيلة تأديب". لكن الحقيقة أن العنف الجسدي لا يعلّم الطفل الانضباط، بل يزرع الخوف والكراهية.
الطفل يتعلم أن القوة هي الحل.
يكبت مشاعره بدلًا من التعبير عنها.
يفقد ثقته في أقرب الناس إليه.
كم من مرة سمعتِ جملة مثل: "لا تبكِ مثل البنات"، أو "عيب تشتكي من شيء تافه". هذه العبارات قد تبدو بسيطة، لكنها ترسل رسالة خطيرة: مشاعرك غير مهمة.
ينشأ الطفل وهو غير قادر على التعبير عن نفسه.
يتعلم أن يخفي ضعفه حتى عن أقرب الناس.
تصبح لديه هشاشة داخلية تظهر في علاقاته لاحقًا.
"شوفي ابن عمك كيف شاطر" أو "أختك أحسن منك". المقارنة ظاهرة شائعة وموروثة في التربية العربية، لكنها تقتل ثقة الطفل بنفسه.
يشعر أنه غير كافٍ مهما فعل.
يطور غيرة سلبية تجاه الآخرين.
يعيش حياته في سباق دائم بدلًا من أن يركز على تطوير ذاته.
بعض الأهل يفرضون على الطفل أن يكون "مطيعًا صامتًا"، فلا يسمحون له بالاعتراض أو إبداء الرأي. النتيجة:
يفقد الطفل مهارة الحوار والدفاع عن نفسه.
يكبر وهو يعتقد أن صوته غير مسموع.
قد يطور شخصية سلبية خاضعة أو على العكس متمردة بشكل مفرط.
"إذا ما سمعت الكلام ما رح أحبك" أو "رح أتركك". هذه الكلمات تزرع خوفًا عميقًا من فقدان الحب.
يعيش الطفل في توتر دائم خشية خسارة الأمان.
يربط قيمته بمدى إرضاء الآخرين.
يواجه صعوبة في بناء علاقات صحية مستقبلًا.
بعض الأهل يسخرون من أخطاء أطفالهم أو من صفاتهم الجسدية. "أنت غبي" أو "أنت بدين". هذه الكلمات تترسخ في اللاوعي وتتحول إلى صوت داخلي ناقد يرافق الطفل طوال عمره.
حتى لو لم يمارس الأهل عنفًا ظاهرًا، فإن إهمال الحضن، الكلمة الطيبة، والاهتمام يترك فراغًا عاطفيًا مؤلمًا. فالطفل بحاجة للشعور بالحب غير المشروط كي ينمو نفسيًا بشكل صحي.
قد تتفاجأ بعض الأمهات حين يجدن أنفسهن يوبّخن أطفالهن بنفس الكلمات التي جرحت قلوبهن يومًا ما. بل قد تكتشفين أن نبرة صوتك في لحظة غضب تشبه تمامًا نبرة أمك أو أبيك حين كانوا يعاقبونكِ. هذه ليست صدفة، وإنما انعكاس طبيعي لدوائر نفسية واجتماعية متوارثة.
غالبًا ما ننقل، من حيث لا نشعر، الأسلوب الذي كبرنا فيه. فإذا كان البيت مليئًا بالصراخ أو النقد المستمر، فإن هذه اللغة تصبح مألوفة لعقولنا، فنكررها تلقائيًا دون تفكير. حتى لو أقسمنا يومًا أننا "لن نفعل بأطفالنا ما فُعل بنا"، نجد أنفسنا نكرر ذات النمط لأنّه ببساطة النموذج الوحيد المزروع في لاوعينا.
الحياة الحديثة مليئة بالإرهاق: مسؤوليات البيت، العمل، المهام المتراكمة، وربما غياب الدعم من المحيط. عند التعب الشديد، يلجأ العقل إلى "أقصر طريق" للتعامل مع الموقف، حتى وإن كان هذا الطريق خاطئًا. الصراخ أسرع من الشرح، والعقاب أسهل من الحوار. لكنها حلول قصيرة المدى، تترك ندوبًا طويلة الأمد في نفس الطفل.
معظمنا لم يتلقَّ أي تعليم رسمي حول كيفية التعامل مع مشاعر الأطفال أو احتياجاتهم العاطفية. المدارس لا تعلّمنا كيف نُشبع رغبة الطفل في التقدير أو كيف نُدير نوبات الغضب بذكاء. وبالتالي، ندخل تجربة الأمومة أو الأبوة بقلوب مليئة بالحب، لكن دون الأدوات الكافية للتعبير عنه بطريقة سليمة.
الدراسات النفسية تبيّن أن ما يقارب 80% من سلوكياتنا اليومية تدار من "اللاوعي". وهذا يعني أن كثيرًا مما نقوله أو نفعله مع أطفالنا ليس قرارًا مدروسًا، بل رد فعل مبرمج منذ الطفولة. لذلك، قد نستيقظ بعد لحظة انفعال ونحن نتساءل: "لماذا قلتُ هذا؟!".
الخبر الجيد: الوعي هو المفتاح. عندما ندرك أن ما نفعله ليس قدرًا محتومًا، بل عادة متوارثة قابلة للتغيير، نصبح قادرين على كسر هذه الحلقة. يكفي أن تتوقفي لحظة قبل أن تنطقي بالكلمة، أو أن تسألي نفسك: "هل هذا التصرف سيبني ابني أم سيكسره؟"، لتبدئي أول خطوة نحو الأمومة الواعية.
استبدلي الضرب أو الصراخ بأساليب مثل:
الحوار الهادئ.
وضع قواعد واضحة ومتفق عليها.
الثواب على السلوك الجيد بدل التركيز فقط على العقاب.
عندما يبكي طفلكِ، لا تقولي "لا تبكِ"، بل جربي: "أفهم أنك حزين الآن". مجرد الاعتراف بمشاعره يمنحه أمانًا داخليًا.
كل طفل له سرعته ومواهبه. أشعريه أنه فريد، وأن قيمته لا تُقاس بالآخرين.
امنحي طفلكِ الحق في التعبير والاعتراض، ضمن حدود الاحترام. هذا يعلمه الاستقلالية ويزيد ثقته بنفسه.
اجعلي حبكِ غير مشروط بسلوكه. قولي: "أنا أحبك دائمًا، لكني لا أقبل هذا التصرف".
تجنبي الألفاظ الجارحة، وحاولي أن تكوني قدوة في احترام الذات والآخرين.
عندما تختارين أن تكسري دائرة التصرفات الأبوية المؤذية، فأنتِ لا تحمين أطفالكِ فقط، بل تبنين جيلًا جديدًا أكثر صحة نفسيًا.
جيل قادر على التعبير عن مشاعره.
جيل يعرف أن الحب لا يُشترط.
جيل يثق بنفسه ولا يحمل جروحًا داخلية تعيقه.
قد يكون من الصعب مواجهة الماضي والتصالح معه، لكن قوتكِ كأم أو كمربية تكمن في قدرتكِ على الوعي والاختيار. التربية ليست تكرارًا أعمى لما عشناه، بل فرصة لبناء مستقبل مختلف.
الصدمات النفسية للأطفال ليست حتمية، بل يمكن تفاديها بالحب، الاحتواء، والوعي. وأنتِ قادرة على أن تكوني نقطة التحول في حياة طفلكِ، وفي سلسلة الأجيال كلها.
اكتشفي مخاطر الخلافات الزوجية على تربية الأطفال
إذا كنت تعاني من العنف الأسري، فقد يؤثر ذلك على تربية الاطفال في حياة كريمة ويؤثر على علاقاتك بأطفالك
اكتشفي أهمية تحضير عشاء صحي للاطفال
وأن نسبة التأثير بينهما هي 70 إلى 30، لذلك عندما يتعلق الأمر بوجبة العشاء تتساءل العديد من الأمهات عن معايير وأهمية تحضير عشاء صحي للاطفال!
كيف تختارين ألعاب الأطفال بمواد غير ضارة لهم
يحتاج الآباء إلى التحقق مما إذا كانت ألعاب الأطفال مصنوعة من مواد كيميائية قد تكون ضارة أم لا قبل شراء لعبة، فقد تسبب مشاكل صحية طويلة الأجل للأطفال