كل عام وأنتِ بخير ملكتي بمناسبة بداية السنة الهجرية الجديدة 1444، فاللهم اچعله عامًا مليئًا بالبركة والسعادة على أمة المسلمين جميعًا. 

وقد كان النبي -صلَّ الله عليه وسلم- عند رؤية الهلال الجديد للشهر الهجري يقول: "اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربنا وربك الله.. الله أكبر"، وخير ما يقال لاستقبال العام الجديد: "اللهم إني اسألك خير هذا العام فتحه ونصره وبركته وهداه، وأعوذ بك من شر هذا العام".

والهجرة ملكتي هي رحلة الرسول -صلَّ الله عليه وسلم- وأتباعه من مكة إلى يثرب والتي تم تسميتها فيما بعد إلى المدينة المنورة، في مايو عام 622 م بعد تحذيره من مؤامرة لاغتياله غادر سيدنا محمد -صلَّ الله عليه وسلم- منزله في مكة سرًا ليهاجر إلى يثرب التي تبعد 320 كم شمال مكة مع رفيقه سيدنا أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، وسرعان ما تم تغيير اسم يثرب إلى المدينة المنورة.

بدأ الأمر في مكة في موسم الحج عام 620 م، فبعدما اشتد الأذى من قريش على المسلمين عرض النبي -صلَّ الله عليه وسلم- الإسلام على بعض الحجاج في منى، فأسلم منهم ستة رجال من أهل يثرب، وفي العام الذي يليه قدم هؤلاء إلى الحج مع قومهم وكانوا اثني عشر رجلًا من الأوس والخزرچ، فأسلموا وبايعوا النبي على الإسلام، فكانت بيعة العقبة الأولى، وفيها بايعوا النبي -صلَّ الله عليه وسلم- أن لا يعبدوا إلا إلٰهًا واحدًا وأن ينبذوا كل الذنوب مثل السرقة والزنا والقتل.

وبناءًا على طلبهم أرسل النبي -صلَّ الله عليه وسلم- معهم سيدنا مصعب بن عمير -رضي الله عنه وأرضاه- ليعلمهم تعاليم الإسلام، وقد حقق نجاحًا باهرًا في نشر رسالة الإسلام وجلب الناس تحت مظلة الإسلام في المدينة المنورة.

وفي العام التالي في حج 622 حضر وفد من 73 مسلمًا من الأوس والخزرچ من المدينة المنورة والذين أكدوا أيضًا للنبي -صلَّ الله عليه وسلم- دعمهم الكامل له إذا هاجر إلى أرضهم، وبايعوه على نصرته في حرب المشركين وعلى السمع والطاعة وأن يقولوا كلمة الحق وألا يخافوا في الله لومة لائم، وهذه كانت بيعة العقبة الثانية.

وقد كان نجاحًا "سياسيًا دينيًا" مهد الطريق أمام هجرة النبي -صلَّ الله عليه وسلم- وأتباعه إلى المدينة المنورة، وبدأ النبي بإخبار أتباعه عن الهجرة إلى المدينة المنورة وفي غضون شهرين هاجر جميع مسلمي مكة تقريبًا إلى المدينة المنورة وانتظروا النبي هناك حتى تكتمل السعادة بوجوده -صلَّ الله عليه وسلم-.

وعندما تلقى النبي -صلَّ الله عليه وسلم- التوجيه الإلهي بالخروج من مكة بدأ في الاستعداد وأبلغ سيدنا أبو بكر الصديق بخطته، وليلة مغادرته حاصر رجال قريش منزل النبي وخططوا لقتله في الصباح، وفي ذلك الوقت كان النبي معه أمانات من أهل قريش فسلمها لسيدنا علي بن أبي طالب -كرم الله وچهه- وأمره بإعادتها لأصحابها وطلب منه الاستلقاء على سريره. 

ويقال أنه لما خرج النبي -صلَّ الله عليه وسلم- من منزله تلا الآية الكريمة: { وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ سَدࣰّا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدࣰّا فَأَغۡشَیۡنَـٰهُمۡ فَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ } ورمى بالقليل من الغبار باتجاه المشركين مما تسبب في عدم قدرتهم على رؤيته! وسرعان ما قابل النبي إلى أبو بكر وغادرا مكة واحتميا بكهف خارجها، وفي الصباح شعر المشركين بالهزيمة والإحباط بعد أن خدعتهم خطة النبي وفتشوا مكة بحثًا عنه ووصل بعضهم في النهاية إلى عتبة الكهف لكن لم يدخلوا الكهف بسبب وجود شبكة عنكبوت غير منقطعة عند المدخل. 

{ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ }

عندما علمت قريش بخروج النبي -صلَّ الله عليه وسلم- أعلنوا عن مكافأة كبيرة لمن يعثر عليه، وتناثر الملاحقون في كل الاتجاهات ورآهم سراقة بن مالك، ولكن في كل مرة يقترب فيها من النبي -صلَّ الله عليه وسلم- وصحبه كان حصانه يتعثر ويوقعه من فوقه ففهم سراقة أخيرًا الأمر واستسلم لأمر الله وأسلم مع النبي -صلَّ الله عليه وسلم-.

وبعد رحلة استمرت ثمانية أيام دخل النبي ضواحي المدينة المنورة في 24 مايو 622 لكنه لم يدخل المدينة مباشرةً، توقف في مكان يسمى قباء وهو مكان على بعد أميال من المدينة المنورة وأنشأ هناك مسجدًا، وبعد إقامته لمدة أربعة أيام في قباء واصل النبي مع أبو بكر هجرتهم إلى المدينة المنورة وأدوا صلاة الجمعة الأولى على الطريق وعند وصولهم إلى المدينة استقبلهم أهلها بحرارة وسعادة بشديدة!

الحمدلله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، كم تغمرنا السعادة والشوق لرؤية رسول الله -صلَّ الله عليه وسلم- وصحبه الكرام في كل مرة نقرأ سيرته العطرة، فاللهم بلغنا رؤيته على الحوض واسقنا من يده الشريفة شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا .. وهذه هي السعادة الأبدية ♡