الملكة

اكتشفي أسباب تشتت التركيز وكثرة النسيان قبل الدورة الشهرية

اكتشفي أسباب تشتت التركيز وكثرة النسيان قبل الدورة الشهرية

هل حدث أن دخلتِ غرفة لتقومي بشيء... ثم نسيته؟ هل شعرتِ فجأة بأن رأسكِ مملوء بالضباب، بالكاد تتذكرين ما خططتِ له؟ وإن حدث ذلك قبل الدورة الشهرية أو أثناءها، فأنتِ لستِ وحدكِ.

ما يُعرف بـ"ضباب الدماغ" هو حالة تعاني منها كثير من النساء في الفترة المحيطة بالحيض، وتتمثل في صعوبة التركيز، النسيان، بطء الاستيعاب، وتشوش الذهن.

اكتشفي أسباب تشتت التركيز وكثرة النسيان قبل الدورة الشهرية

في هذا المقال، سنستعرض سويًا العلاقة بين النسيان والدورة الشهرية، ونكشف ما الذي يحدث فعلًا في دماغكِ أثناء الحيض، ولماذا يصبح التذكر أصعب، والأفكار أكثر تشتتًا، وكيف تتجاوزين هذه الحالة بذكاء وحنان مع نفسكِ.

 

أولًا: ما هو "ضباب الدماغ"؟ وهل هو حالة حقيقية؟

ضباب الدماغ أو كما يُعرف طبيًا أحيانًا باسم Cognitive Dysfunction ليس مرضًا بحد ذاته، لكنه عرض عصبي شائع يصف الإحساس بالعجز عن التفكير بوضوح. ويشمل:

- صعوبة في التركيز.

- بطء في معالجة المعلومات.

- نسيان مواعيد أو أسماء أو كلمات بسيطة.

- تشوش في اتخاذ القرار.

بالرغم من أنه يُستخدم بكثرة في وصف فترة ما قبل الدورة الشهرية، إلا أن هذه الحالة أيضًا تظهر في الحمل، أو سن اليأس، أو مع التوتر والنوم السيئ.

 

ثانيًا: ماذا يحدث في دماغكِ أثناء الدورة الشهرية؟

قد تظنين أن دورتكِ الشهرية تقتصر على التغيرات الجسدية فقط، لكن الحقيقة أن دماغكِ يخوض تجربة معقدة ومليئة بالتقلبات في كل مرحلة من مراحل الدورة. فئالمخ ليس بمنأى عن تأثيرات الإستروجين والبروجسترون، وهما هرمونان يلعبان دورًا محوريًا ليس فقط في تنظيم الدورة، بل أيضًا في ضبط المزاج، والطاقة الذهنية، والوظائف الإدراكية مثل الذاكرة والتركيز.

قبل أسبوع من نزول الدورة:

في هذه المرحلة، يبدأ هرمون الإستروجين بالانخفاض التدريجي، وهو ما يُعد أحد الأسباب الأساسية للشعور العقلي المزعج الذي قد تعانين منه في الأيام التي تسبق الطمث. الإستروجين لا يؤثر فقط في الرحم والمبايض، بل يرتبط بمستقبلات عصبية حساسة في الدماغ، خصوصًا في مناطق مثل قشرة الفص الجبهي (Prefrontal Cortex) المسؤولة عن التفكير المنطقي، واتخاذ القرار، والتركيز، ومنطقة الحُصين (Hippocampus) المرتبطة بالذاكرة والتعلم.

مع انخفاض هذا الهرمون، تضعف قدرة هذه المناطق على العمل بكفاءة، مما يجعل ترتيب الأفكار، التركيز، وحفظ المعلومات اليومية أصعب من المعتاد. كما أن انخفاض الإستروجين ينعكس أيضًا على مستوى السيروتونين وهو ناقل عصبي مرتبط بالشعور بالسعادة والاستقرار النفسي مما يزيد من قابلية المزاج للتقلب، ويُفسر تزايد الشعور بالتوتر أو القلق أو الانفعال دون سبب واضح.

يُضاف إلى ذلك أن جودة النوم تتراجع في هذه الفترة، سواء بسبب تقلصات البطن أو التغيرات الهرمونية بحد ذاتها، وهو ما يجعل الوضع أسوأ، إذ أن قلة النوم تؤثر سلبًا على نشاط الدماغ ووظائفه الإدراكية.

 

 أثناء أيام النزيف (مرحلة الحيض):

في هذه المرحلة، تصل مستويات الإستروجين والبروجسترون إلى أدنى مستوياتها. يتزامن ذلك مع شعور عام بانخفاض الطاقة الجسدية والعقلية، وهو أمر طبيعي تمامًا. فالدماغ، رغم أنه لا يشغل سوى 2% من كتلة الجسم، يستهلك نحو 20% من الطاقة الكلية يوميًا، بحسب الجمعية الأمريكية لعلوم الأعصاب (Society for Neuroscience). ومع قلة الشهية أو اضطراب النوم أو فقر الحديد الخفيف الناتج عن النزيف، يتراجع توفر الطاقة للدماغ، مما يخلق شعورًا بالإرهاق الذهني والبطء الإدراكي.

قد تشعرين خلال هذه الفترة بأنكِ "تعملين بنصف طاقتك"، وقد تجدين صعوبة في الإنجاز أو متابعة المهام الذهنية، وهو انعكاس طبيعي للواقع البيولوجي في جسدك.

 بعد انتهاء الدورة (الطور الجُريبي):

بعد توقف النزيف، يبدأ الإستروجين في الارتفاع تدريجيًا من جديد، ويبدأ دماغكِ في التقاط أنفاسه. هذا الصعود الهرموني يحفّز إنتاج السيروتونين والدوبامين، ويحسّن أداء المناطق الدماغية المرتبطة بالتركيز والتخطيط والذاكرة.

تشير دراسات منشورة في Frontiers in Neuroscience (2020) إلى أن الوظائف المعرفية تتحسن تدريجيًا في هذه المرحلة، حيث ترتفع سرعة الاستجابة والتركيز، ويصبح اتخاذ القرارات أسهل. كما تلاحظ العديد من النساء تحسنًا عامًا في المزاج، وصفاءً في الذهن، وقدرة أكبر على الإنتاجية والإنجاز.

 

إن فهم هذا النمط الطبيعي لتغيرات الدماغ عبر مراحل الدورة ليس فقط يساعدكِ على التعامل مع التقلبات الذهنية والمزاجية برفق مع نفسك، بل يُمكِّنك من تخطيط المهام حسب إيقاع جسدك ودماغك. فمثلما نُراعي التعب العضلي ونأخذ قسطًا من الراحة، من المهم أن نحترم التعب العقلي ونُحسن الإصغاء لإشاراته.

 

ثالثًا: لماذا تنسين أكثر في فترة الدورة؟

- النسيان خلال الحيض لا يعني وجود مشكلة صحية، بل هو نتيجة لتفاعل معقّد بين:

- الاضطراب الهرموني الذي يبطئ وظائف الدماغ.

- النوم السيئ قبل الدورة أو خلالها.

- انخفاض الحديد نتيجة فقدان الدم، ما يسبب ضعف التروية الدموية للمخ.

- تقلب المزاج والقلق، مما يؤثر سلبًا على التركيز.

- الألم والإجهاد البدني، الذي يستنزف طاقة التفكير.

 

رابعًا: هل هناك دراسات تؤكد هذه الظاهرة؟

نعم، وجدت دراسة في مجلة Psychoneuroendocrinology أن النساء قد يواجهن ضعفًا بسيطًا في الوظائف التنفيذية للدماغ في الفترة ما قبل الحيض. وتشمل هذه الوظائف: التخطيط، اتخاذ القرار، سرعة الاستجابة، التذكر.

كما أشارت أبحاث أخرى إلى أن النساء اللواتي يعانين من متلازمة ما قبل الطمث PMS أو PMDD أكثر عرضة لضباب الدماغ مقارنة بغيرهن.

 

 خامسًا: كيف تدعمين ذاكرتكِ أثناء الدورة الشهرية؟

إن ما تمرّين به من ضباب ذهني أو ضعف في التركيز خلال الدورة الشهرية ليس دليلاً على ضعفكِ أو تقصيرك، بل هو استجابة طبيعية لتقلبات هرمونية معقّدة تؤثر في الكيمياء العصبية للمخ. والخبر السار؟ يمكنكِ تخفيف هذا الضباب، وتحسين صفاء ذهنكِ، ودعم ذاكرتكِ بوسائل بسيطة وفعالة، تبدأ من طبقكِ اليومي، وتصل حتى عاداتكِ الصغيرة.

 

1. التغذية الذكية: غذاء دماغكِ هو وقود ذاكرتكِ

الدماغ لا يعمل بكفاءة دون توفر العناصر الغذائية الأساسية التي تدعم وظائفه العصبية. وخلال الدورة الشهرية، يحتاج جسمكِ ودماغكِ دعمًا مضاعفًا، نظرًا لما تفقدينه من دم ومعادن. إليكِ أهم العناصر التي أثبتت الدراسات العلمية دورها في تحسين الوظائف المعرفية والحد من الإرهاق الذهني:

الحديد: أثناء النزيف، تفقدين كمية من الحديد الموجود في الدم، ما قد يؤدي إلى انخفاض تركيز الأوكسجين الواصل إلى الدماغ، وبالتالي شعور بالإرهاق الذهني وضعف الذاكرة. احرصي على تناول مصادر الحديد مثل:

السبانخ، العدس، الحمص، الكبدة، اللحوم الحمراء، دبس التمر.

 تذكري: امتصاص الحديد يتحسّن إذا تناولته مع مصدر لفيتامين C (كعصير البرتقال الطبيعي).

أحماض الأوميغا-3: هذه الدهون الصحية تُعد من أفضل المغذيات للدماغ، إذ تعمل على تقوية الروابط العصبية، وتقلل من الالتهاب، وتحسن المزاج والذاكرة، كما أشارت أبحاث منشورة في Journal of Clinical Psychiatry. توجد في:

الجوز، بذور الشيا، بذور الكتان، السلمون، الماكريل، التونة.

المغنيسيوم: هذا المعدن العجيب يُعرف بقدرته على تهدئة الجهاز العصبي، والتقليل من التوتر، وتحسين نوعية النوم، وهي جميعها عوامل تؤثر في الذاكرة. يوجد في:

اللوز، الكاكاو الداكن، الأفوكادو، البقوليات، الحبوب الكاملة.

الشوكولاتة الداكنة (باعتدال): غنية بالفلافونويدات، التي تُنشّط الدورة الدموية إلى الدماغ، وتحفّز إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي يعزز الانتباه. اختاري النوع الذي يحتوي على 70% كاكاو على الأقل، وبكمية صغيرة يوميًا.

 

2. التمارين الخفيفة: حركتكِ تُنعش دماغكِ

لا تحتاجين إلى جهد شاق لتدعيم قدراتكِ الذهنية، فالقليل من الحركة قد يصنع فرقًا كبيرًا. التمارين تحفّز ضخ الدم إلى الدماغ، ما يزيد من وصول الأوكسجين والعناصر الغذائية إليه، ويُساعد على إفراز الإندورفين، المعروف بهرمون السعادة.

- المشي اليومي لمدة 20-30 دقيقة كافٍ لتحفيز الذاكرة، كما بينت دراسة من Harvard Health Publishing.

- تمارين التنفس العميق تقلل من مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر)، مما يحسن التركيز ويقلل التشوش الذهني.

 

3. النوم أولًا: لا ذاكرة يقظة دون راحة كافية

النوم ليس رفاهية، بل ضرورة حيوية لتنظيم الذاكرة. أثناء النوم العميق، يُعيد الدماغ ترتيب المعلومات، ويُخزّن الذكريات، ويُصلح الشبكات العصبية. ونقص النوم، خاصة في الأسبوع السابق للدورة، يضاعف الشعور بالتشتت الذهني.

- احرصي على نوم ليلي منتظم بين 7 إلى 8 ساعات.

- ثبّتي موعد نومكِ واستيقاظكِ، حتى في أيام العطلة.

- ابتعدي عن الشاشات قبل النوم بساعة على الأقل، لأن الضوء الأزرق يثبط إفراز الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يُنظم النوم.

- تهيئة غرفة نوم هادئة، مظلمة، وباردة نسبيًا يحفّز جودة النوم بشكل كبير.

 

4. لا تعتمدي على ذاكرتكِ فقط… دوّني ما يهمكِ

حين تكون الذاكرة قصيرة المدى مشوشة قليلًا، فإن تدوين المعلومات خطوة ذكية وداعمة. الكتابة تنشّط مناطق مختلفة من الدماغ، وتمنحكِ إحساسًا بالتحكم في يومكِ.

- استخدمي دفترًا صغيرًا أو تطبيق ملاحظات على هاتفكِ لتدوين المهام، الأفكار، المواعيد.

- اكتبي حتى التفاصيل البسيطة: المشتريات، المكالمات المهمة، أفكاركِ اليومية. هذا لا يعني ضعفًا في الذاكرة، بل حرصًا على تنظيم طاقتكِ العقلية.

 

5. حفّزي ذاكرتكِ بألعاب عقلية مرحة

كما يحتاج الجسد للتمرين، يحتاج الدماغ إلى التحفيز. ولا داعي لقضاء ساعات طويلة، فحتى 10 دقائق يوميًا من الألعاب العقلية كافية للحفاظ على يقظتكِ الذهنية، بحسب دراسات في علم الأعصاب الإدراكي.

- جربي ألعاب الكلمات المتقاطعة، أو ألعاب ترتيب الحروف، السودوكو، البازل، والأحجيات.

- هناك تطبيقات رائعة مجانية مثل: Lumosity وPeak وElevate، مصممة خصيصًا لتحفيز مناطق الذاكرة والتركيز في الدماغ.

كل ما سبق ليس وصفة سحرية فورية، بل خطوات تراكمية تعمل بتأثير تراكمي وداعم. ومع مرور الوقت، ستلاحظين أن ذاكرتكِ تصبح أكثر استقرارًا، وتركيزكِ أكثر حدة، حتى في الأيام التي كانت تُربككِ في السابق. اسمحي لنفسكِ بالتعاطف، وتعاملي مع دماغكِ كما تتعاملين مع قلبكِ: بلطف، وتغذية، وراحة.

 

سادسًا: متى يجب استشارة الطبيب؟

ضباب الدماغ المرتبط بالدورة الشهرية هو تجربة شائعة تمرّ بها نسبة كبيرة من النساء، وغالبًا ما يكون طبيعياً ومؤقتاً، يزول تدريجيًا مع انتهاء النزيف وتحسّن التوازن الهرموني. ومع ذلك، من المهم أن تتعاملي مع جسدكِ وعقلكِ باحترام ويقظة، لأن بعض العلامات قد تشير إلى حاجة فعلية لتقييم طبي دقيق.

فإذا لاحظتِ أن ضباب الدماغ لم يعد مجرد "تشوش عابر"، بل أصبح يؤثر على جودة حياتكِ اليومية أو يخرج عن الإطار المألوف، فقد يكون هذا إشارة إلى وجود خلل أعمق يستحق الاستقصاء.

إليكِ أبرز المؤشرات التي تستدعي استشارة طبية دون تأخير:

استمرار الأعراض بعد انتهاء الدورة:

من الطبيعي أن تشعري ببعض التشتت أو ضعف التركيز قبل وأثناء الدورة، لكن إن استمرت أعراض النسيان أو صعوبة التفكير أو عدم وضوح الذهن لأيام أو أسابيع بعد انتهاء الدورة، فقد يكون الأمر أبعد من التغيرات الهرمونية المؤقتة. من الضروري هنا البحث في احتمالات مثل فقر الدم، اضطرابات الغدة الدرقية، نقص فيتامين B12، أو حتى الاكتئاب المزمن.

تأثير الأعراض على عملكِ أو علاقاتكِ أو قراراتكِ:

إذا بدأتِ تلاحظين أن هذه الحالة تؤثر على أدائكِ الوظيفي، أو قدرتكِ على اتخاذ قرارات يومية، أو تتسبب في مشكلات في العلاقات مع من حولكِ، فقد حان الوقت للتحدث إلى طبيبة مختصة. فقد تكون الحالة ناتجة عن اختلال في الهرمونات يحتاج إلى تقييم دقيق (مثل متلازمة ما قبل الطمث PMDD)، أو قد يكون هناك ضغط نفسي أو عصبي لم تتم معالجته بالشكل المناسب.

 

ترافق الأعراض مع اكتئاب أو قلق حاد:

تشير دراسات حديثة إلى وجود علاقة وثيقة بين الضباب الذهني وبعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق العام. فإذا شعرتِ أن حالتكِ الذهنية تتدهور مع شعور دائم بالحزن، فقدان الحماس، الانعزال، أو القلق الزائد، فلا تترددي في استشارة أخصائية نفسية أو طبيبة أعصاب. العلاج المبكر يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا.

فقدان مفاجئ للوعي، أو صعوبة في الكلام أو الحركة:

هذه ليست أعراضًا هرمونية عادية، بل قد تكون علامات طارئة تستدعي التوجه الفوري للطوارئ. فقد تشير إلى خلل عصبي خطير، مثل نوبة صرع، أو حتى أعراض سكتة دماغية في بعض الحالات النادرة. لا تهملي هذه الإشارات مطلقًا، خصوصًا إن ظهرت بشكل مفاجئ أو لأول مرة.

 

 نزيف شديد ومتكرر يسبب إرهاقًا ملحوظًا:

في بعض الحالات، يكون ضباب الدماغ عرضًا غير مباشر لمشكلة جسدية أخرى، مثل فقر الدم الناتج عن نزيف حيضي غزير. حين تفقدين كميات كبيرة من الدم شهريًا، ينخفض مخزون الحديد في الجسم، ويقل إمداد الأوكسجين إلى خلايا الدماغ، مما يسبب الإرهاق الذهني والتشوش. وهنا يكون الحل طبيًا، وقد يشمل إجراء تحاليل دم، علاج دوائي، وربما مكملات غذائية بإشراف الطبيبة.

 

لا تتجاهلي الإشارات غير المعتادة

جسمكِ يعرف كيف يرسل لكِ إشارات عندما يكون بحاجة للعون. والثقة في حدسكِ، إلى جانب الاستماع اليقظ لما يحدث داخلكِ، هي أولى خطوات العناية الذاتية الحقيقية. لا تهملي أي عرض يُقلقكِ، حتى لو بدا بسيطًا، واطلبي الدعم من الطبيبات المختصات دون خجل أو تردد.

الصحة العقلية والهرمونية ليست ترفًا، بل أساس لراحتكِ وازدهاركِ في كل جوانب حياتكِ.

 

 

سابعًا: من تجارب النساء… عندما يتكلم الواقع بصوت صادق

في خضمّ الحياة اليومية وضغوط المسؤوليات، قد تمرّ المرأة بتقلبات عقلية ونفسية تظنها ضعفًا أو تقصيرًا من ذاتها، بينما هي في الحقيقة انعكاس طبيعي لتغيّرات هرمونية حقيقية تؤثر في الدماغ ووظائفه الإدراكية. وما يُشعركِ بالطمأنينة أن كثيرات مررن بالتجربة نفسها، وتعلّمن كيف يتعاملن معها بتفهّم لا بخوف، وبخطوات عملية لا جلدٍ للذات.

 "كنت أعتقد أنني مصابة بضعف في الذكاء! لكنني لاحظت أن التشوش الذهني يسبق دورتي الشهرية دائمًا... شعرتُ بالراحة حين علمت أنه أمر طبيعي." – ندى، 29 سنة

ندى ليست وحدها. فكثير من النساء يعتقدن أن معاناتهن من النسيان أو ضعف التركيز خلال فترات معينة من الشهر أمرٌ مقلق أو غير معتاد، لكن الطب يؤكد أن الضباب الذهني (brain fog) المرتبط بالدورة الشهرية هو ظاهرة شائعة، ناتجة عن انخفاض مستوى الإستروجين الذي يؤثر في مناطق الذاكرة والانتباه داخل الدماغ، مثل القشرة الأمامية والحُصين.

حين تعلّمت ندى أن ما تمرّ به طبيعي، تبدّل شعورها من القلق إلى الطمأنينة، وهو أول وأهم خطوة نحو التكيّف الصحي مع حالتها.

 

"أعمل في التدريس، وفي الأسبوع الذي يسبق الدورة، أجد صعوبة في تذكّر أسماء الطالبات أو ترتيب دروسي. الآن أستخدم جدولًا مكتوبًا وأشعر بتحسّن كبير." – سارة، 41 سنة

سارة مثقفة ومنظمة بطبعها، لكنها لاحظت أنها تفقد جزءًا من قدرتها على التنظيم الذهني قبل الدورة، وهو أمر شائع في فترة ما قبل الطمث حيث ينخفض الدوبامين في الدماغ، ما يضعف سرعة المعالجة الذهنية. عندما قررت استخدام وسيلة بسيطة مثل دفتر يومي وجدول مرتب، استعادت شعورها بالكفاءة، وأدركت أن الحلول لا تتطلب معجزات، بل قليلًا من الوعي وتعديل العادات.

هذا التكيف السلوكي يتماشى تمامًا مع توصيات أطباء الأعصاب والطب السلوكي الذين ينصحون بتدوين المهام واستخدام الملاحظات المكتوبة خلال فترات التشتت الذهني.

 

"أيام معينة من الشهر أشعر أنني غير قادرة على اتخاذ أبسط قرار، مجرد اختيار وجبة الغداء يصبح معضلة!" – فاطمة، 35 سنة

كلمات فاطمة تلامس شيئًا حقيقيًا يحدث خلف الكواليس: في فترة ما قبل الدورة، تتباطأ بعض وظائف اتخاذ القرار في الدماغ نتيجة انخفاض الإستروجين وتأثر التواصل بين أجزاء الدماغ المسؤولة عن التحليل والإدراك العاطفي. هذا لا يعني أن فاطمة غير قادرة على اتخاذ القرار، بل يعني أن دماغها بحاجة إلى استراحة وإعادة ضبط.

ما تمرّ به فاطمة ليس مبالغة، بل توصيف دقيق لما يُعرف بـ decision fatigue، وهي حالة موثقة طبيًا تزداد وضوحًا لدى النساء في فترات معينة من الدورة. إدراك هذه الحالة ومسامحة الذات على “بطء القرار” هو ما يحوّل الارتباك إلى توازن.

 

أنتِ لستِ وحدكِ... بل هو واقعٍ تشارككِ فيه نساء كثيرات

هذه التجارب الواقعية تذكّرنا أن الصحة العقلية ليست بمعزل عن التغيرات الجسدية، وأن تقلبات الدورة الشهرية قد تمسّ العقل كما تمسّ الجسد. كل امرأة لها تجربتها الخاصة، لكن المشترك بينهن هو أن التوعية والاعتراف بالمشكلة أول خطوة نحو تحسينها.

ربما ما تحتاجينه اليوم ليس أكثر من دفء التفهّم، ومعلومة طبية موثوقة، وعادة بسيطة تدعمكِ. فامنحي نفسكِ هذا اللطف.

تذكّري دائمًا: أنتِ لستِ مجرد ذاكرة ضعيفة، بل روح ذكية تمر بمرحلة مؤقتة… وستشرقين بعدها بصفاء ووضوح كما عهدتِ نفسكِ دائمًا 

ذات صلة

اكتشفي العلاقة بين الدورة الشهرية ونقص مناعة الجسم

اكتشفي العلاقة بين الدورة الشهرية ونقص مناعة الجسم

لنتعرف على العلاقة بين الدورة الشهرية و نقص مناعة الجسم، ولماذا تصبحين أكثر عرضة للالتهابات أو البثور أو حتى الحساسية في أوقات معينة. وسنخبركِ كيف تحمين نفسكِ

9
هل يؤثر الاستحمام على طول الدورة الشهري

هل يؤثر الاستحمام على طول الدورة الشهري

التقلصات وآلام أسفل الظهر أثناء الدورة الشهرية هي بعض الآثار الجانبية الأكثر إزعاجًا للنساء، وبعض النساء يحاولن التخلص من هذه الأعراض

64
اكتشفي ماذا تقول أعراض الدورة الشهرية عن صحتك

اكتشفي ماذا تقول أعراض الدورة الشهرية عن صحتك

في هذا المقال،سنستعرض معًا في أسرار هذه اللغة الأنثوية الفريدة، لنترجم معاني أعراض الدورة الشهرية واحدة تلو الأخرى، ونفهم ما الذي تحاول دورتكِ قوله

31

إستشارات الملكة الذهبية

نخبة من الأطباء المختصين في أمراض النسا والولادة مع تطبيق الملكة

الأكثر مشاهدة

كتل الدماء في الدورة الشهرية: متى يكون الأمر خطيرًا؟!

الدورة الشهرية

كتل الدماء في الدورة الشهرية: متى يكون الأمر خطيرًا؟!

لا تحدث كتل الدماء في الدورة الشهرية لكل السيدات لكنها شائعة أيضًا خاصةً خلال الأيام الأكثر غزارة في الدورة الشهرية، واليوم ملكتي سنقوم بتفصيل

لماذا ألاحظ كُتلة من الدماء أثناء دورتي الشهرية؟!

الدورة الشهرية

لماذا ألاحظ كُتلة من الدماء أثناء دورتي الشهرية؟!

يعد نزول كتل الدم طوال الدورة الشهرية أمرًا شائعًا، ولكن إذا كنت تتساءلين متى يجب أن تكوني قلقة بشأن ذلك، فاليوم بإذن الله سنحاول مساعدتك على الفهم.

تخلصي من انتفاخات الدورة الشهرية بخطوات بسيطة وسهلة

الدورة الشهرية

تخلصي من انتفاخات الدورة الشهرية بخطوات بسيطة وسهلة

قد يكون انتفاخ الدورة الشهرية مزعجًا ولكن هناك خطوات يمكنك اتباعها لتجنب هذه الأعراض المزعجة، حيث يمكن أن يساعدكِ النشاط البدني

Powered by Madar Software