في زحمة الحياة اليومية، ومع الضغوط المستمرة التي قد تُرهق جسدكِ وعقلكِ، ربما تنسين أن هناك عادة صغيرة لكنها قادرة على أن تغيّر حياتكِ من الداخل للخارج. هذه العادة هي الامتنان.
قد يبدو الأمر بسيطًا: أن تنظري حولكِ وتعبّري عن امتنانكِ لما تملكينه، أو للأشخاص الذين يدعمونكِ، أو حتى للتجارب التي منحتكِ دروسًا. لكن الحقيقة أن الامتنان اليومي ليس مجرد شعور لطيف، بل هو قوة نفسية وروحية تعيد تشكيل نظرتكِ للحياة، وتؤثر على مزاجكِ، علاقاتكِ، وحتى طاقتكِ الداخلية.
في هذا المقال، سنغوص معًا في أعماق مفهوم الامتنان، ونكشف كيف يمكن أن يصبح عادة يومية تغيّر حياتكِ، مع خطوات عملية لتطبيقه، وتجارب ملموسة تبرهن على أثره العميق.
الامتنان gratitude ليس مجرد كلمة "شكرًا" تُقال بشكل عابر، بل هو حالة وعي داخلية عميقة . الامتنان يعني أن تنظري إلى حياتكِ بعين التقدير لا بعين النقص، أن تلتفتي إلى الجمال الموجود بالفعل، مهما بدا بسيطًا، وأن تدركي أن كل لحظة تحمل في طياتها نعمة تستحق التقدير.
إنه أشبه بارتداء عدسة جديدة للنظر إلى الحياة: عدسة تُظهِر الألوان الزاهية وسط الرماد، وتُريكِ الضوء حتى إن كانت السماء ملبدة بالغيوم. الامتنان لا ينكر الصعوبات، لكنه يضعها في حجمها الطبيعي، فلا تبتلع فرحتكِ ولا تخنق طاقتكِ.
كلمة "شكرًا" وحدها لا تكفي إن لم تصدر من قلب واعٍ. الامتنان الحقيقي هو أن تشعري بامتنانكِ قبل أن تعبّري عنه، أن يتغلغل هذا الشعور بداخلكِ فيغيّر طريقة تفكيركِ، ثم ينعكس على كلماتكِ وأفعالكِ.
غالبًا ما ننتظر أحداثًا ضخمة لنشعر بالامتنان: نجاح كبير، شراء منزل جديد، أو تحقيق حلم طال انتظاره. لكن سرّ الامتنان هو أن تجدي السعادة في التفاصيل الصغيرة:
- ابتسامة طفلكِ وهو يركض نحوكِ.
- فنجان قهوة دافئ يمنحكِ طاقة لبدء يومكِ.
- لحظة صمت وسط صخب يوم طويل.
- أو حتى صديقة تذكركِ بأنكِ لستِ وحدكِ.
هذه اللحظات، إن لاحظتها بعين الامتنان، تتحول من تفاصيل عابرة إلى مصادر عميقة للسلام الداخلي.
كثير من الدراسات النفسية أثبتت أن عادة الامتنان اليومية قادرة على إحداث تحولات عميقة في الصحة النفسية والجسدية على حد سواء:
تقليل التوتر والقلق: لأنكِ تعيدين توجيه انتباهكِ إلى ما هو إيجابي.
رفع مستويات السعادة: عبر تدريب عقلكِ على رؤية النعم بدلًا من التركيز على النواقص.
تحسين النوم وجودته: فالقلب الممتلئ بالامتنان يخلد إلى الراحة أسرع.
تعزيز الثقة بالنفس والإيجابية: لأنكِ تتصالحين مع نفسكِ وتقدّرين جهودكِ.
الأجمل أن الامتنان لا يحتاج إلى جهدٍ ضخم أو ظروف مثالية، بل فقط إلى قرار داخلي واعٍ. قرار بالتركيز على ما لديكِ لا على ما ينقصكِ، وبذلك تتحررين من سجن المقارنة والشكوى المستمرة.
إنه أشبه بزر صغير داخل قلبكِ، حين تضغطين عليه، يفتح لكِ نافذة واسعة ترى العالم من خلالها بألوان أكثر وضوحًا وبهاءً.
المزاج هو البوصلة التي تحدد كيف تمرّ أيامكِ: قد يكون يومكِ مليئًا بالضغوط والتحديات، لكن طريقة إدراككِ لهذه الأحداث هي ما يحدد شعوركِ. هنا يأتي الامتنان اليومي ليعمل كفلتر نفسي، يخفف من وطأة المواقف السلبية ويعزز الإحساس بالرضا والسعادة.
الحياة مليئة بالمسؤوليات: عمل، منزل، أطفال، علاقات اجتماعية… كلها قد تولّد ضغطًا متواصلًا. حين تمارسين عادة الامتنان، فأنتِ تدربين عقلكِ على رؤية النصف الممتلئ من الكوب.
فبدلًا من أن تركّزي على حجم الفوضى في المنزل، تستطيعين أن تنظري إلى حقيقة أن لديكِ بيتًا دافئًا يأويكِ. وبدلًا من الانزعاج من ضجيج الأطفال، يمكنكِ أن تريه كعلامة حياة وحيوية في بيتكِ.
ومع الوقت، يقلّ شعوركِ بالضغط لأنكِ تربطين يومكِ دائمًا بشيء إيجابي، مهما كان صغيرًا. الامتنان يعمل هنا كصمام أمان نفسي، يحميكِ من تراكم القلق والتوتر.
أظهرت أبحاث علم النفس الإيجابي أن الأشخاص الذين يكتبون يوميًا ثلاثة أشياء يشعرون بالامتنان لها، يلاحظون تحسّنًا واضحًا في مستويات سعادتهم خلال أسابيع قليلة فقط.
السر في ذلك أن الامتنان يُغيّر تركيز العقل: فبدلًا من البحث عن السلبيات، يبدأ عقلكِ تلقائيًا في البحث عن الأشياء الجميلة التي يمكن تدوينها أو الاحتفاظ بها في ذاكرتكِ.
تخيّلي مثلًا أن تُنهي يومكِ بكتابة ثلاث جمل: أنا ممتنة لابتسامة ابنتي، لرسالة دعم من صديقة، وللشاي الدافئ الذي منحني لحظة استرخاء.
هذه اللحظة الصغيرة تجعل عقلكِ ينهي يومه بطاقة إيجابية، ما يزيد من شعوركِ بالراحة النفسية والرضا.
كثير من النساء يقعن في فخ المقارنة المستمرة: تنظرين إلى نجاحات الأخريات أو حياتهن المثالية على وسائل التواصل، فتشعرين أن ما لديكِ غير كافٍ. لكن عندما تمارسين الامتنان، فأنتِ تحوّلين تركيزكِ إلى ذاتكِ: إلى إنجازاتكِ الصغيرة، خطواتكِ اليومية، وحتى قدرتكِ على التحمّل.
حين تقولين لنفسكِ: أنا ممتنة لأنني أنجزت وجبة صحية اليوم، أو لأنني خصصت وقتًا للراحة رغم ازدحام يومي ، فإنكِ تعترفين بجهودكِ وتقدّرين نفسكِ بدلًا من جلدها. ومع الوقت، تبنين ثقة داخلية راسخة، لا تهزّها المقارنات ولا الانتقادات.
يمكنكِ أن تتخيلي الامتنان وكأنه فيتامين يومي للمزاج : لا يغيّر أحداث الحياة بالضرورة، لكنه يغيّر الطريقة التي تستقبلين بها هذه الأحداث. تمامًا كما يقوّي الفيتامين الجسد من الداخل، يقوّي الامتنان روحكِ ونفسكِ، فيجعلها أكثر توازنًا وقدرة على مواجهة التحديات.
العلاقات الإنسانية، سواء مع الشريك أو الأهل أو الأصدقاء، تحتاج إلى وقود عاطفي يحافظ على دفئها. والامتنان هو هذا الوقود.
بينكِ وبين شريك حياتكِ: عندما تعبّرين عن امتنانكِ لتصرفاته اليومية، حتى الصغيرة منها، فإن العلاقة تمتلئ بالتقدير بدلًا من الاعتياد أو التذمر.
مع أطفالكِ: الأطفال الذين يتلقون كلمات امتنان يشعرون بأن جهودهم الصغيرة مرئية، وهذا يعزز ثقتهم بأنفسهم.
مع صديقاتكِ: الامتنان يحوّل العلاقة من مجرد مودة عابرة إلى صداقة متينة مبنية على التقدير المتبادل.
بل إن الامتنان قد يكون الدواء لكثير من المشكلات العاطفية، لأنه يخفف من النقد المستمر ويضعكِ في موضع التقدير.
هل تعلمين أن عقلكِ مبرمج طبيعيًا على التركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات؟
علماء النفس يسمونه "الانحياز السلبي Negative bias". لكن عادة الامتنان اليومية تُعيد برمجة عقلكِ، فتجعلين نفسكِ قادرة على رؤية الجمال وسط الفوضى.
الامتنان لا يغيّر الواقع، لكنه يغيّر طريقة إدراككِ للواقع. مثلًا:
بدلًا من أن تنظري للعمل المنهك كمصدر ضغط، يمكنكِ أن تريه كوسيلة تمنحكِ استقلالًا ماديًا.
بدلًا من أن تنظري لفوضى البيت كإزعاج، يمكنكِ أن تريها كعلامة حياة وحركة في المنزل.
1. دفتر الامتنان: اكتبي كل مساء ثلاثة أشياء أنتِ ممتنة لها.
2. لحظة صباحية: قبل أن تنهضي من سريركِ، قولي لنفسكِ: "أنا ممتنة لــ…" واذكري شيئًا واحدًا.
3. رسالة شكر: أرسلي بين الحين والآخر رسالة شكر قصيرة لشخص دعمكِ أو أسعدكِ.
4. التأمل الواعي Mindful meditation: اجلسي بهدوء لدقيقتين كل يوم، وركّزي على الأشياء التي تقدّرينها.
5. مشاركة الامتنان مع العائلة: اجعلي من عادة العشاء مثلًا وقتًا لمشاركة كل فرد شيئًا يشعر بالامتنان تجاهه.
قد تتفاجئين أن الامتنان له أثر جسدي ملموس. الدراسات الحديثة أظهرت أن الأشخاص الممتنين:
يتمتعون بنوم أفضل وأعمق.
لديهم مستويات ضغط دم أقل.
يتمتعون بجهاز مناعي أقوى.
هذا يعني أن عادة الامتنان اليومية لا تغيّر مزاجكِ فقط، بل تعزّز صحتكِ الجسدية أيضًا.
الامتنان ليس مجرد عادة نفسية، بل هو أيضًا جسر روحي. عندما تمارسين الامتنان، فأنتِ تتواصلين مع الخالق عبر الاعتراف بنعمه. هذه الممارسة تمنحكِ طمأنينة داخلية، وتجعلكِ أكثر قربًا من الله، وأكثر وعيًا بالخير الذي يغمر حياتكِ.
من الطبيعي أن تواجهكِ بعض العقبات:
الشعور أن الحياة صعبة ولا يوجد ما يستحق الامتنان.
الاعتياد على الروتين بحيث تنسين التقدير.
مقارنة نفسكِ بالآخرين مما يقلل من شعوركِ بالامتنان.
لكن تذكّري أن الامتنان ليس تجاهلًا للتحديات، بل هو فن إيجاد الضوء حتى وسط الظلام.
- امرأة فقدت وظيفتها، لكنها اختارت أن تكتب يوميًا ثلاثة أشياء تشعر بالامتنان لها. خلال شهور، تغير مزاجها كليًا، ووجدت وظيفة جديدة بروح أكثر قوة.
- أمّ كانت تعاني من ضغط تربية الأطفال، لكنها حين بدأت تمارس الامتنان، رأت أن الفوضى حولها تعني أن بيتها حيّ، وأن لديها نعمة الأمومة.
- شابة تمر بظروف مرضية صعبة، لكنها اختارت الامتنان على الدعم الذي تتلقاه من أسرتها، مما جعلها أكثر صبرًا وقوة.
1. ضعي دفترًا صغيرًا بجانب سريركِ.
2. ابدئي بكتابة ثلاث جمل امتنان كل ليلة.
3. شاركي شعور الامتنان مع شخص واحد على الأقل يوميًا.
4. درّبي نفسكِ على شكر ذاتكِ قبل الآخرين.
5. استمري لمدة 30 يومًا، ولاحظي الفرق.
عزيزتي، الامتنان ليس رفاهية ولا مجرد كلام إيجابي يُقال. إنه عادة صغيرة تغيّر حياتكِ من الداخل للخارج. حين تجعلينه جزءًا من يومكِ، ستجدين أن حياتكِ صارت أكثر خفة، وعلاقاتكِ أكثر دفئًا، ونظرتكِ للحياة أكثر إشراقًا.
تذكّري دائمًا: ما تركزين عليه يزداد. فإذا ركّزتِ على النعم، ستجدين حياتكِ ممتلئة بها. ابدئي اليوم، ولو بخطوة صغيرة، واختبري بنفسكِ قوة الامتنان.
أنتِ لستِ بحاجة لوظيفة بأجر أعلى .. ولكنكِ بحاجة لتعلم هذه المهارة
ربما تراودكِ فكرة أنكِ بحاجة لوظيفة ذات أجر أعلى أو إلى تحقيق مكاسب غير متوقعة -كميراث مثلا- من أحد أقاربك لتحسين مواردك المالية الشخصية
كوني أفضل صديقة لنفسك ! وقدري كل ما تفعليه لأنكِ تستحقي !
ماذا يعني أن تكوني أفضل صديقة لنفسك؟! ماذا يعني أن تقولي انا صديقة نفسي ! في الحقيقة هي طريقة تعامل تختاري أن تعاملي نفسك بها
اكتشفي فوائد العزلة الإيجابية وأثرها على الصحة النفسية
هذا المقال يأخذكِ إلى عالمٍ من الاستجمام الفردي الذي ينعش روحكِ ويعيد توازنكِ. سنتحدث عن معنى العزلة الإيجابية وأثرها على الصحة النفسية، وكيف يمكن تحويلها إلى